والمعنى: أنه ظن بسبب كتاب عبد الله بن عمرو، قد صار أكثر رواية منه.
ولعل هذا على حسب ظنه - رضي الله عنه -، وأنه كان يتوقع أن عبد الله بن عمرو أكثر منه؛ لأن المكتوب الذي يرى ليس كالمحفوظ فالمحفوظ موجود في الأذهان لا وجود له في الأعيان فلا يمكن بيان حجمه ما دام موجود في الأذهان.
[الوجه الخامس: أسباب كثرة رواية أبي هريرة عن عبد الله بن عمرو]
وإذا استبعدنا هذه الوجوه، فكل ما في الأمر أن عبد الله بن عمرو - رضي الله عنه - حمل من الحديث عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - أكثر من أبي هريرة - رضي الله عنه -، إلا أنه لم يتيسر له نشره لأسباب:
قال ابن حجر:
أحَدهَا: أن عبد الله كان مشتغلا بالعبادة أكثر من اشتغاله بالتعليم فقلت الرواية عنه.
ثانِيهَا: أنه كان أكثر مقامه بعد فتوح الأمصار بمصر أو بالطائف ولم تكن الرحلة إليهما ممن يطلب العلم كالرحلة إلى المدينة، وكان أبو هريرة متصديا فيها للفتوى والتحديث إلى أن مات، ويظهر هذا من كثرة من حمل عن أبي هريرة، فقد ذكر البخاري أنه روى عنه ثماثمائة نفس من التابعين، ولم يقع هذا لغيره.
ثالثِهَا: ما اختص به أبو هريرة من دعوة النبي - صلى الله عليه وسلم - له بأن لا ينسى ما يحدثه به.
رَابعهَا: أن عبد الله كان قد ظفر في الشام بحمل جمل من كتب أهل الكتاب فكان ينظر فيها ويحدث منها فتجنب الأخذ عنه لذلك كثير من أئمة التابعين (١).
تلك أسباب هامة في قلة رواية عبد الله بن عمرو بن العاص - رضي الله عنهم - بالنسبة لما تحمله عن الرسول - صلى الله عليه وسلم - تنفي ما زعموه هؤلاء الجهلة.
فإن قلة مرويات عبد الله بن عمرو لم تعد تثير أي شك، أو تدخل أية شبهة على مرويات أبي هريرة - رضي الله عنه - الكثيرة، بالرغم من تصريحه عن كثرة حديث ابن عمرو، بعد أن عرفنا تلك الأسباب التي كان لها أثر بعيد في قلة مروياته.
الشبهة التاسعة: يقولون: أين باقي الصحابة من مرويات أبي هريرة؟