للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال فأخبره بما قالت، قال: صَدَقَتْ، وهي كذوب" (١).

تدبر قول النبي - صلى الله عليه وسلم - كذبت مرتين، ثم قوله: "صدقت" فالمعول عليه إقرار النبي - صلى الله عليه وسلم -، وليس إخبار الجن أو الشياطين.

٢ - عن أُبَيِّ بن كعب - رضي الله عنه -، أن أباه أخبره أنه كان لهم جرين فيه تمر، وكان مما يتعاهد فيجده ينقص فَحَرَسَهُ ذاتَ ليلةٍ، فإذا هو بدابة كهيئة الغلام المحتلم، قال: فسلم فرد عليه السلام، فقلت: ما أنت؛ جن أم إنس؟ قال: جن، فقلت: ناولني يدك، فإذا يد كلب، وشعر كلب، فقلت: هذا خلق الجن؟ فقال: لقد عَلِمَتْ الجن أن ما فيهم مَن هو أشدُّ مني، فقلت: ما يحملك على ما صنعت؟ قال: بلغني أنك تحب الصدقة؛ فأحببت أن أصيب من طعامك، فقلت: ما الذي يحرزنا منكم؟ قال: هذه الآية؛ آية الكرسي، قال: فتركته، وغدا أبي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فأخبره، فقال: صدق الخبيث". (٢)

[الوجه الرابع: وإن الله ليؤيد هذا الدين بالرجل الفاجر.]

قال تعالى: {هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ (٣٣)} [التوبة: ٣٣]، ومن إظهاره لدينه سبحانه أن يستعمل من يشاء في نشره فيستعمل البَرَّ ويثيبه، وكذا إذا شاء استعمل من هو لهذا الدين مبغض محارب ولا يعود إلا بالخسارة؛ لأن ثبوت الأجر يلزمه التوحيد والإيمان، قال تعالى: {وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ (٦٥)} [الزمر: ٦٥]، وإن الحالة التي تعجب منها المعترض هي من النوع الثاني فالشيطان يعمل جاهدًا ليصد عن دين الله، ويحادد بذلك الملك لكن هيهات، فكيده مردود في نحره؛ بل ويقع في إخبار أسرار لا يعلم أن الله قدرها لحفظ دينه وتحصين عباده، ولا عجب فالملك


(١) ابن أبي شيبة في مصنفه (٧/ ١٢٠)، والترمذي (٣١٢١)، وقال الألباني: (صحيح لغيره) في صحيح الترغيب والترهيب (١٤٦٩).
(٢) أخرجه الحارث في مسنده (زوائد الهيثمي ١٠٧٥)، والنسائي في الكبرى (١٠٧٩٦)، والحاكم في مستدركه (٥/ ١٣٠)، والبيهقي في الدلائل (٨/ ١٧٣)، وقال الألباني في صحيح الترغيب والترهيب (١٤٧٠): صحيح.

<<  <  ج: ص:  >  >>