الآخر والله سبحانه إنما يذكر من مخلوقاته للدلالة عليه أشرفها وأظهرها للحس والعقل وأبينها دلالة وأعجبها صنعة كالسماء والأرض والشمس والقمر والليل والنهار والنجوم والجبال والسحاب والمطر وغير ذلك من آياته ولا يدعو عباده إلى التفكر في القمل والبراغيث والبعوض والبق والكلاب والحشرات ونحوها إنما يذكر ما يذكر من ذلك في سياق ضرب الأمثال مبالغة في الاحتقار والضعف كقوله تعالى أن الذين تدعون من دون الله لن يخلقوا ذبابا ولو اجتمعوا له وإن يسلبهم الذباب شيئا لا يستنفذوه منه فهنا لم يذكر الذباب في سياق الدلالة على إثبات الصانع تعالى وكذلك قوله أن الله لا يستحي أن يضرب مثلا ما بعوضة فما فوقها وكذلك قوله:{مَثَلُ الَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِ اللَّهِ أَوْلِيَاءَ كَمَثَلِ الْعَنْكَبُوتِ اتَّخَذَتْ بَيْتًا وَإِنَّ أَوْهَنَ الْبُيُوتِ لَبَيْتُ الْعَنْكَبُوتِ} فتأمل ذكر هذه المخلوقات الحقيرة في أي سياق وذكر المخلوقات العظيمة في أي سياق.
ثانيًا: الآثار الواردة في الباب:
الأول: ما روي عن النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أنه نهى عند قضاء الحاجة عن استقبال الشمس والقمر واستدبارهما".
والجواب عليه:
كأنه والله أعلم لما رأى بعض الفقهاء قد قالوا ذلك في كتبهم في آداب التخلي: ولا تستقبل الشمس والقمر ظن أنهم إنما قالوا ذلك لنهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عنه فاحتج بالحديث وهذا من أبطل الباطل فإن النبي -صلى الله عليه وسلم- لم ينقل عنه ذلك في كلمة واحدة لا بإسناد صحيح ولا ضعيف ولا مرسل ولا متصل وليس لهذه المسألة أصل في الشرع والذين ذكروها من الفقهاء منهم من قال العلة أن اسم الله مكتوب عليهما ومنهم من قال لأن نورهما من نور الله ومنهم من قال إن التنكب عن استقبالهما واستدبارهما أبلغ في التستر وعدم ظهور الفرجين وبكل حال فما لهذا ولا أحكام النجوم فإن كان هذا دالا على دعواكم فدلالة