ولم يقل أحد من أئمة الجرح والتعديل على حصافتهم، وبعد نظرهم: أن كعبًا، ووهبًا، وعبد الله بن سلام، وتميمًا الداري، وأمثالهم كانوا وضاعين، ويتعمدون الكذب، والاختلاق من عند أنفسهم، وإنما الذي قالوه عنهم: أنهم كانوا هم الواسطة في حمل ونقل معارف أهل الكتاب إلى المسلمين، وأن البعض رواها عنهم فليس الذنب ذنبهم، وإنما الذنب ذنب من نقلها، ورواها عنهم، من غير بيان لكذبها وبطلانها.
ولما كانت رواية الإسرائيليات تدور غالبًا على كعب، ووهب بن منبه، وعبد الله بن سلام، وأنهم هم الذي كان الاتهام منصبًا عليهم أكثر من غيرهم، فسأذكر لكل منهم ترجمة كي يتبين للمنصف آراء أئمة الجرح والتعديل فيهم.
[شبهة أخرى: الرد على اتهامهم عبد الله في سلام.]
عبد الله بن سلام بن الحارث الإسرائيلي، ثم الأنصاري. كان حليفًا لهم من بني قينقاع، وهو من ولد يوسف بن يعقوب عليهما السلام، وكان اسمه في الجاهلية الحصين، فسماه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حين أسلم عبد الله. وكان إسلامه لما قدم النبي - صلى الله عليه وسلم - المدينة مهاجرًا. روى عنه ابناه: يوسف ومحمد، وأنس بن مالك وزرارة بن أوفى.
أوجه الرد على اتهامهم عبد الله بن سلام بالكذب في الإسلام ما ليس منه.
أولًا: صدقه وتكذيبه لليهود:
عَنْ أَنَسٍ - رضي الله عنه - قَالَ بَلَغَ عَبْدَ الله بْنَ سَلامٍ مَقْدَمُ رَسُولِ الله - صلى الله عليه وسلم - المدِينَةَ، فَأَتَاهُ، فَقَالَ إِنِّي سَائِلُكَ عَنْ ثَلاثٍ لا يَعْلَمُهُنَّ إِلاَّ نَبِيٌّ، قَالَ مَا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ وَمَا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الجنَّةِ وَمنْ أَي شَيءٍ يَنْزعُ الْوَلَدُ إلى أَبِيهِ وَمنْ أَيّ شَيْءٍ يَنْزِع إلى أَخْوَالِهِ فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "خَبَّرَنِي بِهِنَّ آنِفًا جِبْرِيلُ". قَالَ فَقَالَ عَبْدُ الله ذَاكَ عَدُوُّ الْيَهُودِ مِنَ الملائِكَةِ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "أَمَّا أَوَّلُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ فَنَارٌ تَحْشُرُ النَّاسَ مِنَ المشْرِقِ إلى المغْرِبِ. وَأَمَّا أَوَّلُ طَعَامٍ يَأْكُلُهُ أَهْلُ الجنَّةِ فَزِيَادَةُ كَبِدِ حُوتٍ. وَأَمَّا الشَّبَهُ فِي الْوَلَدِ فَإِنَّ الرَّجُلَ إِذَا غَشِيَ المرْأَةَ فَسَبَقَهَا مَاؤُهُ كَانَ الشَّبَهُ لَهُ، وَإِذَا سَبَقَ مَاؤُهَا كَانَ الشَّبَهُ لَهَا". قَالَ أَشْهَدُ أَنَّكَ رَسُولُ الله. ثُمَّ قَالَ يَا