للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

منه؛ لأن العابد لا يعبد من يرى أنه مثله أو أدنى منه منزلةً وقدرًا، ونحن نعلم أن حرمة المؤمن أعظم من حرمة الكعبة، بل أعظم من حرمة الدنيا بأسرها فعن عبد الله بن عمرو بن العاص أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال: "لزوال الدنيا أهون عند الله من قتل رجل مسلم". (١)

وَنَظَرَ ابْنُ عُمَرَ يَوْمًا إِلَى الْبَيْتِ أَوْ إِلَى الْكَعْبَةِ فَقَالَ: (مَا أَعْظَمَكِ وَأَعْظَمَ حُرْمَتَكِ وَالْمُؤْمِنُ أَعْظَمُ حُرْمَةً عِنْدَ الله مِنْكِ). (٢)

فما سبق يبيّن لنا نظرة الشرع للمسلم في كونه أعظم حرمةً من الكعبة بما فيها الحجر الأسود، فكيف يصحّ أن يقال إن المسلمين يعبدون هذا الحجر أو يعبدون البيت؟ . (٣)

الوجه الخامس: الوثنية ليست أمرًا أصليَّا عند العرب - ظلوا عليه آلاف السنين منذ نشأتهم - حتى يخاف محمد - صلى الله عليه وسلم - خوفًا شديدًا على تغييرها في الحج وغيره، بل هي أمر طارئ على العرب والأصل ملة إبراهيم.

فدخول الوثنية إلى بلاد العرب كانت على يد عمرو بن لحي الخزاعي، ومحمد - صلى الله عليه وسلم - جاء ليُرجعهم إلى ما كانوا عليه من التوحيد:

قال الكلبي: وكان عمرو بن لحي كاهنًا وكان يكنى أبا ثمامة، له رئى من الجن فقال: له عجل المسير والظعن من تهامة بالسعد والسلامة ائت صفا جده تجد فيها أصنامًا معدة فأوردها تهامة ولا تهب ثم ادع العرب إلى عبادتها تجب فأتى نهر جدة فاستثارها ثم حملها حتى ورد بها تهامة وحضر الحج فدعا العرب إلى عبادتها قاطبة فأجابه عوف بن عذرة بن زيد اللات فدفع إليه ودًا فحمله فكان بوادي القرى بدومة الجندل وسمي ابنه عبد ود فهو أول من سمى به وجعل عوف ابنه عامرًا سادنًا له فلم يزل بنوه يدينون به حتى جاء الله بالإسلام. (٤)


(١) صحيح. أخرجه الترمذي في سننه (١٣٩٥)، والنسائي في سننه ٧/ ٨٢، والبيهقي في سننه ٨/ ٢٢، وغيرهم من طرق عن شعبة عن يعلى بن عطاء عن أبيه عن عبد الله بن عمرو به موقوفا ومرفوعا والموقوف صححه الترمذي، والبيهقي. وإن صح موقوفا فله حكم الرفع
(٢) حسن. أخرجه الترمذي في سننه (٢٠٣٢) من حديث الحسين بن واقد عن أوفى بن دلهم عن نافع عن ابن عمر به. وقال الألباني: حسن صحيح. صحيح الترغيب (٢٣٣٩)
(٣) نقلًا من المفصل في الرد على شبهات أعداء الإسلام.
(٤) تلبيس إبليس ١/ ٦٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>