للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا بالضبط ما نراه في ظل الشيء على الأرض، وقدرة اللَّه تعالى على تحريك هذا الظل تستطيع أن تجعله ساكنًا، فاللَّه تعالى حرَّك الظل ولو شاء لجعله ساكنًا عديم الحركة، ولكن هل تستمر الحياة؟ ! ستكون الحالة هذه إما ليل دائم أو نهار دائم ولا تستقيم الحياة على الأرض في هذه الحالة، ثم أكد البيان الإلهي على أن مركز دوران الأرض هو الشمس بقوله: {ثُمَّ جَعَلْنَا الشَّمْسَ عَلَيْهِ دَلِيلًا} ونحن نعلم بأن الدليل هو الشيء الذي تقاس الأشياء بالنسبة إليه، إذن الشمس في مركز الدوران والأرض تدور من حولها (١).

[الوجه الحادي عشر: الظل له مسببات مختلفة، ليس فقط دوران الأرض بل الشمس في الأصل هي المسئولة عن ذلك.]

قال الشهرستاني: حركة الشمس مع الظل، فإن الشمس تتحرك عن فلكها أقدامًا كثيرة حتى يظهر في الظل قدم واحد، فلو قدرنا حركتها بمقدار جزء واحد فيجب أن يتحرك الظل بمقدار ألف جزء من جزء فيتجزىء الجزء المفروض (٢).

قال أبو حيان: لما طلعت الشمس دلَّت على زوال الظل وبدا فيه النقصان، فبطلوع الشمس يبدو النقصان في الظل، وبغروبها تبدو الزيادة في الظل فبالشمس استدل أهل الأرض على الظل وزيادته ونقصه، وكلما علت الشمس نقص الظل، وكلما دنت للغروب زاد وهو قوله: {ثُمَّ قَبَضْنَاهُ إِلَيْنَا قَبْضًا يَسِيرًا} يعني: في وقت علوِّ الشمس بالنهار ينقص الظل نقصانًا يسيرًا بعد يسير، وكذلك زيادته بعد نصف النهار يزيد يسيرًا بعد يسير حتى يعم الأرض كلها، فأما زوال الظل كله فإنما يكون في البلدان المتوسطة في وقت، وقبضه إليه أن ينسخه بظل الشمس {يَسِيرًا}: على مهل، وفي هذا القبض اليسير شيئًا بعد شيء من المنافع ما لا يعد ولا يحصى، ولو قبض دفعة لتعطلت أكثر مرافق الناس بالظل والشمس جميعًا، {وَلَوْ شَاءَ لَجَعَلَهُ سَاكِنًا} مستقرًا على تلك الحالة، ثم خلق الشمس وجعله على ذلك الظل سلطها عليه وجعلها دليلًا متبوعًا لهم كما يتبع الدليل في الطريق،


(١) انظر موقعه الخاص http://www.kaheel ٧.com في مقاله: دوران الأرض حول الشمس.
(٢) نهاية الإقدام في علم الكلام (١/ ١٧٨ - القاعدة الأولى: مسألة في إثبات الجوهر الفرد).

<<  <  ج: ص:  >  >>