للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مصدر هذا المال، وجواب أبي هريرة المقنع على سؤاله، قلت: يا أمير المؤمنين خيلي تناسلت وسهامي تلاحقت وعطائي تلاحق. فنظروا فوجدوه كما قال.

[الوجه الثالث: دعوة عمر لأبي هريرة إلا الولاية مرة ثانية يدل على أنه لم يشك في أمانته.]

ومما يؤكد اقتناع عمر - رضي الله عنه - بجوابه، وزوال شكه في أمانته، دعوته له لولاية البحرين مرة أخرى، فقد جاء في نفس الرواية: أنه لما كان بعد ذلك، دعا عمر ليوليه، فأبى، فقال: تكره العمل، وقد طلب العمل من كان خيرًا منك يوسف عليه السلام، فقال: يوسف نبي ابن نبي، وأنا أبو هريرة بن أميمة، وأخشى ثلاثًا واثنتين، قال: فهلا قلت: خمسًا؟ قال: أخشى أن أقول بغير علم، واقضي بغير حلم، وأن يضرب ظهري، وينتزع مالي، ويشتم عرضي.

وهذه الرواية تفيد أن عزله لم يكن لخيانة، أو قلة أمانة، أو تقصير في واجب، وإلا فبماذا تفسر دعوة عمر - رضي الله عنه - له ليوله ثانيةً على البحرين بعد أن كان قد عزله عنها؟ (١).

[الوجه الرابع: هذه سياسة عمر يعزل ولاته لا عن شبهة؛ بل من باب الاجتهاد وحسن رعاية الأمور.]

كان من سياسة عمر - رضي الله عنه - متابعة الولاة والعمال ومساءلتهم، لأدنى ما يرفع عنهم أو يقال ضدهم، مهما علت مراتبهم، في الإسلام؛ فقد عزل سعد بن أبي وقاص عن الكوفة وولى عليها عمار بن ياسر (٢)، وليس شاكًا في أمانته، ولذا قال في وصيته: فَإِنْ أَصَابَتِ الإِمْرَةُ سَعْدًا فَهْوَ ذَاكَ، وَإِلَّا فَلْيَسْتَعِنْ بِهِ أَيُّكُمْ مَا أُمِّرَ، فإني لَمْ أَعْزِلْهُ عَنْ عَجْزٍ وَلا خِيَانَةٍ (٣).

وقد عزل عتبة بن غزوان وولى العلاء بن الحضرمي، وقال له: واعلم أنك تقدم على رجل من المهاجرين الأولين الذين سبقت لهم من الله الحسنى لم أعرفه إلا يكون عفيفًا صليبًا شديد البأس، ولكني ظننت أنك أغنى عن المسلمين في تلك الناحية منه فاعرف له حقه (٤).


(١) أبو هريرة للضاري (٨٩: ٨٦)، أبو هريرة راوية الإسلام (٢٢٦).
(٢) البخاري (٧٥٥).
(٣) البخاري (٣٧٠٠).
(٤) الطبقات الكبرى لابن سعد ٤/ ٣٦٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>