للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كان شرعا لمن قبلنا، وفي الاحتجاج به خلاف فليس موضع الخلاف، وإنما موضعه إذا لم يرد شرعنا بموافقته وتقريره، فإن ورد كان شرعا لنا بلا شك، وهذا قد ورد شرعنا به وهو قول تعالى: {وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ} إلى قوله: {إِلَّا مَنْ تَابَ} الآية وأما قوله تعالى: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} فالصواب في معناه: أن جزاءه جهنم، وقد يجازي به، وقد يجازي بغيره وقد لا يجازى بل يعفى عنه، فإن قتل عمدا مستحلا له بغير حق، ولا تأويل، فهو كافر مرتد، يخلد به في جهنم بالإجماع، وإن كان غير مستحل بل معتقدا تحريمه فهو فاسق عاص مرتكب كبيرة، جزاؤه جهنم خالدا فيها، لكن بفضل الله تعالى ثم أخبر أنه لا يخلد من مات موحدا فيها، فلا يخلد هذا، ولكن قد يعفى عنه، فلا يدخل النار أصلا، وقد لا يعفى عنه، بل يعذب كسائر العصاة الموحدين، ثم يخرج معهم إلى الجنة، ولا يخلد في النار، هذا هو الصواب في معنى الآية، ولا يلزم من كونه يستحق أن يجازى بعقوبة مخصوصة أن يتحتم ذلك الجزاء، وليس في الآية إخبار بأنه يخلد في جهنم، وإنما فيها أنها جزاؤه أي: يستحق أن يجازى بذلك، وقيل: إن المراد من قتل مستحلا، قيل: وردت الآية في رجل بعينه، وقيل: المراد بالخلود طول المدة لا الدوام، وقيل: معناها هذا جزاؤه إن جازاه، وهذه الأقوال كلها ضعيفة أو فاسدة لمخالفتها حقيقة لفظ الآية، وأما هذا القول فهو شائع على ألسنة كثير من الناس، وهو فاسد؛ لأنه يقتضي أنه إذا عفي عنه خرج عن كونها كانت جزاء، وهي جزاء له، لكن ترك الله مجازاته عفوا عنه وكرما، فالصواب ما قدمناه. والله أعلم. (١)

[الوجه الثاني: أقوال المفسرين والعلماء حول الآية.]

قال الرازي: في تفسير الآية {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا}: هذه الآية مخصوصة في موضعين:


(١) شرح مسلم للنووي ٩/ ٩٦ - ٩٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>