للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال أحمد بن حنبل: أما قوله: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} فذلك أن هؤلاء المشركين إذا رأوا ما يتجاوز اللَّه عن أهل التوحيد يقول بعضهم لبعض: إذا سَأَلَنَا نقول: لم نكن مشركين، فلما جمعهم اللَّه، وجمع أصنامهم، وقال: {أَيْنَ شُرَكَائِيَ الَّذِينَ كُنْتُمْ تَزْعُمُونَ}.

قال اللَّه: {ثُمَّ لَمْ تَكُنْ فِتْنَتُهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ (٢٣)}، فلما كتموا الشرك ختم اللَّه على أفواههم، وأمر الجوارح فنطقت بذلك، وذلك قوله: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥)} فأخبر اللَّه عزَّ وجلَّ عن الجوارح أن شهدت، فهذا تفسير ما شكت فيه الزنادقة (١).

قلت: فقد أجاب عبد اللَّه بن عباس -رضي اللَّه عنه-: عن الجمع بين الآيتين، فعلى هذا يكون الكتمان كتمان الشرك بالنسبة للألسن؛ الألسن كتمت، والتكلم بالنسبة للجوارح، فإذن قولهم: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} هذا قالوه بألسنتهم {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} بجوارحهم، جوارحهم هي التي نطقت: {الْيَوْمَ نَخْتِمُ عَلَى أَفْوَاهِهِمْ وَتُكَلِّمُنَا أَيْدِيهِمْ وَتَشْهَدُ أَرْجُلُهُمْ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٦٥) وقوله: {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} محمول على أن الجوارح هي التي تتكلم، وأما كتمانهم الشرك: {وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} هذا محمول على الألسن، فالألسن كتمت، والجوارح لم تكتم فتكلمت.

[الوجه الثامن: مواقف القيامة ومشاهد القيامة متعددة ففي بعض المواقف يكتمون ولا يتكلمون، وفي بعضها لا يكتمون ويتكلمون.]

قال الشوكاني: وقد جُمع بين الآيات المختلفة في مثل هذا وغيره بأن المواقف يوم القيامة مختلفة فقد يكون في بعض المواقف ما لا يكون في الآخر (٢).

وأخرج ابن مردويه عن عبد اللَّه بن الصامت قال: قلت لعبد اللَّه بن عمرو بن العاص


(١) الرد على الزنادقة والجهمية ١/ ١٢؛ قوله: الرد على الزنادقة فيما ادعوه من تعارض آي القرآن.
(٢) فتح القدير ٢/ ٦٤٩؛ {يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ} (يونس: ٤٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>