للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقال الكرماني: هذا الجواب من الأسلوب الحكيم؛ أي: دعوا السؤال عن وقت القيامة الكبرى فإنها لا يعلمها إلا الله، واسألوا عن الوقت الذي يقع فيه انقراض عصركم فهو أولى لكم؛ لأن معرفتكم به تبعثكم على ملازمة العمل الصالح قبل فواته؛ لأن أحدكم لا يدري من الذي يسبق الآخر. (١)

قال النووي: قَالَ الْقَاضِي عياض: هَذ الرِّوَايَات كُلّهَا مَحْمُولَة عَلَى مَعْنَى الْأَوَّل، وَالمُرَاد "بِسَاعَتِكُمْ": مَوْتهمْ، وَمَعْنَاهُ: يَمُوت ذَلِكَ الْقَرْن، أَوْ أُولَئِكَ المُخَاطَبُونَ، قُلْت: وَيُحْتَمَل أَنَّهُ عُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ الْغُلَام لَا يَبْلُغ الْهَرَم، وَلَا يُعَمَّر، وَلَا يُؤَخَّر. (٢)

وفي حديث جابر بن عبد الله - رضي الله عنه - قال: سَمِعْتُ النبي - صلى الله عليه وسلم - يَقُولُ قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِشَهْرٍ: "تسألوني عَنِ السَّاعَةِ وَإِنَّمَا عِلْمُهَا عِنْدَ الله، وَأُقْسِمُ بِالله مَا عَلَى الأَرْضِ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ تَأْتِى عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ". (٣)

وعن ابن عمر - رضي الله عنه - مثله؛ قال: وإنما أراد - صلى الله عليه وسلم -: "ينخرم هذا القرن" أي: ينقطع وينقضي. (٤)

قال ابن حجر: وكان جماعة من أهل ذلك العصر يظنون أن المراد أن الدنيا تنقضي بعد مائة سنة؛ فلذلك قال الصحابي: فوهل الناس فيما يتحدثون من مائة سنة وإنما أراد - صلى الله عليه وسلم - بذلك انخرام قرنه، فلم يبق ممن كان موجودًا عند مقالته تلك عند استكمال مائة سنة من سنة موته أحد. (٥)

[الوجه الثالث: العلة من تخصيص النبي - صلى الله عليه وسلم - (الساعة) بالموت.]

قال ابن حجر: قال الداودي: هذا الجواب من معاريض الكلام، فإنه لو قال لهم: لا أدري ابتداءً مع ما هم فيه من الجفاء، وقبل تمكن الإيمان في قلوبهم لارتابوا، فعدل إلى إعلامهم بالوقت الذي ينقرضون هم فيه، ولو كان تمكن الإيمان في قلوبهم لأفصح لهم بالمراد. (٦)


(١) فتح الباري ١١/ ٣٧٢: ٣٧١ بتصرف.
(٢) شرح النووي ٩/ ٣١٧.
(٣) مسلم (٢٥٣٨).
(٤) البخاري (٦٠١)، مسلم (٢٥٣٧) واللفظ له.
(٥) فتح الباري ١٠/ ٥٥٧ بتصرف.
(٦) فتح الباري ١١/ ٣٧١ بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>