للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذات حمأ وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائي وأبو بكر {حَامِيَةً} أي: حارة، ولا تنافي بينهما لجواز أن تكون العين جامعة للوصفين على أن ياءها مقلوبة عن الهمزة لكسر ما قبلها ولعله بلغ ساحل المحيط فرآها كذلك إذ لم يكن في مطمح بصره غير الماء وكذلك وجدها تغرب ولم يقل كانت تغرب.

وقيل: إن ابن عباس سمع معاوية يقرأ {حَامِيَةً} فقال: {حَمِئَةٍ}، فبعث معاوية إلى كعب الأحبار كيف تجد الشمس تغرب، قال: في ماء وطين كذلك نجده في التوراة (١).

[الوجه السادس: معاني الآية الكريمة.]

المعنى الأول: أن ذا القرنين لما بلغ موضعًا في المغرب، ولم يبق بعده شيئ من العمارات، وجد الشمس كأنها تغرب في عينٍ وهي مظلمة وإن لم تكن كذلك في الحقيقة، كما أن راكب البحر يرى الشمس كأنها تغيب في البحر إذا لم ير الشط وهي في الحقيقة تغيب وراء البحر. (٢)

إذن فالكلام هنا على الرؤية البصرية، ولا شك أن حديث العينين عن الأفلاك والشمس والقمر قديمًا وحديثًا يختلف عن حديث الفكر والعلماء، ومن الغباء أو الخداع الخلط بينهما، وينقل بيان الله تعالى في القرآن حوارًا بين سيدنا إبراهيم والنمرود الذي كان يدعي الربوبية، كثيرًا ما وصف من قبل المتصنعين للنقد العلمي بأنه دليل على سذاجة واضعي القرآن وعدم إطلاعهم على بديهيات علم الفلك، والحقيقة أن نقدهم هو الدليل الواضح على سذاجتهم أو على تصنعهم لنقد علمي لا معنى له ولا وجود له.

يقول الله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِي حَاجَّ إِبْرَاهِيمَ فِي رَبِّهِ أَنْ آتَاهُ اللَّهُ الْمُلْكَ إِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّيَ الَّذِي يُحْيِي وَيُمِيتُ قَالَ أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ قَالَ إِبْرَاهِيمُ فَإِنَّ اللَّهَ يَأْتِي بِالشَّمْسِ مِنَ الْمَشْرِقِ فَأْتِ بِهَا مِنَ الْمَغْرِبِ فَبُهِتَ الَّذِي كَفَرَ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ} [البقرة: ٢٥٨].

أي: فإن الذي تراه العينان من كل إنسان أن الشمس تقبل من جهة الشرق إلى الغرب، فالمتحدي ينبغي أن يطالبه بالعكس بأن يأتي بها من جهة الغرب في الصباح، وهذا الذي يجري


(١) تفسير البيضاوي (٤١١).
(٢) تفسير الرازي (٢١/ ١٦٦)، فتح الباري (٨/ ٤٠٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>