على طائفة وأمكن دفع البغي بلا قتال لم يجز القتال، فلو اندفع البغي بوعظ أو فتيا أو أمر بمعروف لم يجز القتال، ولو اندفع البغي بقتل واحد مقدور عليه أو إقامة حد أو تعزيز مثل قطع سارق وقتل محارب وحد قاذف لم يحز القتال، وكثيرًا ما نثور الفتنة إذا ظلم بعض طائفة لطائفة أخرى فإذا أمكن استيفاء حق المظلوم بلا قتال لم يجز القتال، وليس في الآية أن كل من امتنع من مبايعه إمام عادل يجب قتاله بمجرد ذلك، وإن سمى باغيًا لترك طاعة الإمام فليس كل من ترك طاعة الإمام يقاتل.
والصديق قاتل ما نعي الزكاة لكونهم امتنعوا عن أدائها بالكلية فقوتلوا بالكتاب والسنة وإلا فلو أقروا بأدائها وقالوا لا نؤديها إليك لم يجز قتالهم عند أكثر العلماء وأولئك لم يكونوا كذلك، ولهذا كان:
٣ - القول الثالث: في هذا الحديث حديث عمار إن قاتل عمار طائفة باغية ليس لهم أن يقاتلوا عليًا ولا يمتنعوا عن مبايعته وطاعته، وإن لم يكن على مأمورًا بقتالهم ولا كان فرضًا عليه قتالهم لمجرد امتناعهم عن طاعته مع كونهم ملتزمين شرائع الإسلام، وإن كان كل من المقتتلتين متأولين مسلمين مؤمنين وكلهم يستغفر لهم ويترحم عليهم عملًا بقوله تعالى:{وَالَّذِينَ جَاءُوا مِنْ بَعْدِهِمْ يَقُولُونَ رَبَّنَا اغْفِرْ لَنَا وَلِإِخْوَانِنَا الَّذِينَ سَبَقُونَا بِالْإِيمَانِ وَلَا تَجْعَلْ فِي قُلُوبِنَا غِلًّا لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا إِنَّكَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ}. (١)
ثالثًا: خبر التحكيم وبراءة الصحابة الكرام مما نسب إليهم من الأباطيل في هذا الخبر:
ذكر الرواية في ذلك.
قال الطبري: قال أبو مخنف حدثني أبو جناب الكلبي أن عمرًا وأبا موسى حيث التقيا بدومة الجندل أخذ عمرو يقدم أبا موسى في الكلام يقول: إنك صاحب رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- وأنت أسن مني فتكلم وأتكلم، فكان عمرو قد عود أبا موسى أن يقدمه في كل شيء اغتزى بذلك كله أن يقدمه فيبدأ بخلع عليّ. قال: فنظر في أمرهما وما اجتمعا عليه فأراده عمرو على معاوية