للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال ابن عساكر: وهذا من أكبر فضائله؛ لأنه كان لا تأخذه في الله لومة لائم جعل الله في قلبه من جلالة الإيمان. وبهذا وصف الله أصحاب محمد - صلى الله عليه وسلم -، فقال: {لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة: ٢٢] (١)

ثانيًا: ولو فرض أن هذا يقع من أبي بكر فهل تتوقف حركة الدعوة الإسلامية كما ظن؟

والجواب يتضح إذا علم أن النبي - صلى الله عليه وسلم - مات، ومات أبو بكر، وعمر، وكل الصحابة ولم ينته أمر هذا الدين؛ لأن الذي تكفل بحفظه هو الله تعالى فكيف ينهار بسبب أمر كهذا!

وإذا كان الأمر كذلك فما الذي يدعو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - لأن يستخدم التقية مع أبي بكر ويقوم بإنزال آيات في براءة عائشة رضي الله عنها؟ !

سادسًا: لماذا خص النبي - صلى الله عليه وسلم - عليًّا وأسامة بالمشورة في هذه القضية؟

هل لأنه لاذ بالعصبية في مثل هذا الموقف؟ أم هربًا من الإحراج لو انكشف أمر كهذا أمام علي وأسامة؟

والجواب من وجوه:

الوجه الأول: أنه صح أنه استشار غيرهما كما في هذه الرواية الصحيحة أنه سأل عنها زينب وبريرة.

الوجه الثاني: الْعِلَّة فِي اخْتِصَاص عِليّ وَأُسَامَة بِالمُشَاوَرة: أَنَّ عَلِيًّا كَانَ عِنْدَهُ كَالْوَلَدِ؛ لأَنَّهُ رَبَّاهُ مِنْ حَالِ صِغَره ثُمَّ لَمْ يُفَارِقهُ، بَلْ وَازْدَادَ اتِّصَاله بِتَزْوِيجِ فَاطِمَة فَلِذَلِكَ كَانَ مَخْصُوصًا بِالمُشَاوَرَةِ فِيمَا يَتَعَلَّق بِأَهْلِهِ لمِزِيدِ اطِّلَاعه عَلَى أَحْوَاله أَكْثَر مِنْ غَيْره؛ وَكَانَ أَهْل مَشُورَته فِيمَا يَتَعَلَّق بِالْأُمُورِ الْعَامَّة أَكَابِر الصَّحَابَة كَأَبِي بَكْر وَعُمَر. وَأَمَّا أُسَامَة فَهُوَ كَعَليٍّ فِي طُولِ المُلَازَمَة وَمَزِيد الاخْتِصَاص وَالمَحَبَّة، وَلذَلِكَ كَانُوا يُطْلِقُونَ عَلَيْهِ أَنَّهُ حِبُّ رَسُول الله - صلى الله عليه وسلم -. (٢)


(١) تاريخ دمشق لابن عساكر (٣٠/ ١٢٨). ومن ذلك ما وقع من الموافقة بين جواب النبي - صلى الله عليه وسلم - وجواب أبي بكر على عمر في صلح الحديبية. انظر: صحيح البخاري (٢٥٨١).
(٢) فتح الباري (٨/ ٣٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>