للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صدر عنهم من القذف حتى لا يبقى عليهم تبعة من ذلك في الآخرة، وقد قال - صلى الله عليه وسلم - في الحدود إنها كفارة لمن أقيمت عليه، كما في حديث عبادة بن الصامت (١).

ثامنًا: وقيل: يحتمل أنه تركه احترامًا لابنه - رضي الله عنه -. فقد كان من فضلاء الصحابة - رضي الله عنهم -.

تاسعًا: وأما قوله: إن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان لايستطيع قتله، فهذا خطأ. ويكفي في ذلك وجهين:

الأول: أنه كان منافقا أظهر الإسلام خوفًا. ولو كان عنده نفوذ وقوة لما احتاج إلى ذلك.

الثاني: أنه كان لابن أبيّ ولد مؤمن مخلص يسمي عبد الله بن عبد الله بن أبيّ بن سلول. وقد قال مرة لرسول الله - صلى الله عليه وسلم -: يَا رَسُولَ الله، إنّهُ بَلَغَنِي أَنَّك تُرِيدُ قَتْلَ عَبْدِ الله بْنِ أُبَيّ فِيمَا بَلَغَك عَنْهُ فَإِنْ كُنْت لَا بُدّ فَاعِلًا فَمُرْني بِهِ فَأَنَا أَحْمِلُ إلَيْك رَأْسَهُ، فَوَالله لَقَدْ عَلِمَتْ الْخَزْرَجُ مَا كَانَ لَهَا مِنْ رَجُلٍ أَبَرّ بِوَالِدِهِ مِنّي، وَإِنّي أَخْشَى أَنْ تَأْمُرَ بِهِ غَيْرِي فَيقْتُلَهُ فَلَا تَدَعُنِي نَفْسِي أَنْظُرُ إلَى قَاتِلِ عَبْدِ الله بْنِ أُبَيّ يَمْشِي فِي النّاسِ فَأَقْتُلَهُ فَأَقْتُلَ رَجُلًا مُؤْمِنًا بِكَافِرٍ فَأَدْخُلَ النّارَ. فَقَالَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم -: "بَلْ نَتَرَفّقُ بِهِ وَنُحْسِنُ صُحْبَته مَا بَقِيَ مَعَنَا". (٢)

لقد ضرب هذا الابن أروع المثل في الإيمان والتضحية بعاطفة الأبوة فقابله - صلى الله عليه وسلم - صاحب القلب الكبير والخلق العظيم بمثل رفيع في العفو والرحمة وحسن الصحبة. فقد تلطف النبي - صلى الله عليه وسلم - بهذا الصحابي الجليل، وهدأ من روعه وأذهب هواجسه. (٣)

سادس عشر: ثم زعم أن تورط مسطح في حديث الإفك مع فقره، وحاجته لأبي بكر. ثم قال (لا نستثني) احتمال أن يكون مسطح ذا هوى بعائشة، فأراد الانتقام منها ديدن كل محب أناني. أو أنه كان يهوي حمنة فجعلته يسايرها في حملته ضد عائشة.

والجواب عن ذلك ما يلي:

١ - هذا الوهم ليس من أخلاق الصحابة على كل حال وإنما وقع مسطح في الإفك لأنه ليس معصومًا، وتاب الله عليه، وأقيم عليه الحد. ومن فضائله أنه شهد بدرًا. أما أن يكون


(١) صحيح البخاري (١٨).
(٢) سيرة ابن هشام (٣/ ٣٢١).
(٣) السيرة النبوية للصلابي.

<<  <  ج: ص:  >  >>