تتحدث الأناجيل الأربعة عن صلب المسيح، كخاتمة لوجوده على الأرض، ولكن: هل تنبأ المسيح بأنه سيصلب؟ وهل عرف بذلك تلاميذه؟
لا تخطئ عين الناظر في الأناجيل أن ترى أن الإنجيليين نقلوا عن المسيح تنبؤه بتعرضه لمؤامرة تودي به إلى الموت والصلب، فهل تصح هذه الأقوال في نسبتها إلى السيد المسيح؟
الحقيقة أن خبر تنبؤ المسيح بقتله أو صلبه (انظر متى ١٧/ ٢٢ و ٢٠/ ١٦، ٢٦/ ٢، ٢٦/ ٢٣)، قول دخيل على الأناجيل، ملحق بها، والأدلة على ذلك تتضح باستقراء عدد من الملاحظات التي يقوي بعضها بعضًا:
١ - أن العبارة في إنجيل متى والتي يخبر فيها المسيح عن مؤامرة يتعرض لها ابن الإنسان وتودي به إلى الموت وردت بلا مقدمة، ولا مناسبة، ولا تعليق عليها من قبل الحواريين، حتى وكأنها تتحدث عن حدث عادي، فلئن صحت، دل ذلك على أن ابن الإنسان المصلوب المسلّم لأيدي الخطاة، هو غير المسيح.
تتحدث المواضع الأربعة -التي ذكرت تنبؤه بالموت- عن تسليم ابن الإنسان، وقتله أو صلبه، ولا تنص على عيسى، لكن اللفظ -وإن تبادر في الذهن إلى المسيح -فإنه يصح أن يطلق على غيره، بدليل أنهم سألوه عن ابن الإنسان مَن هو بقولهم:"فَكَيْفَ تَقُولُ أَنْتَ إِنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَرْتَفِعَ ابْنُ الإِنْسَانِ؟ مَنْ هُوَ هذَا ابْنُ الإِنْسَانِ؟ "" (يوحنا ١٢/ ٣٤) ولو كان هذا اللقب بالمسيح خاصًّا لما كان في سؤالهم وجه.
يقترن وصف الأناجيل الثلاثة لردة فعل التلاميذ حيال هذا الخبر بكثير من الغرابة، ففي متى (٢٦/ ١ - ٢) لم يذكر لهم حسًا ولا خبرًا، بيد أنه في (متى ٢٦/ ٢٣) ذكر بأنهم "حَزِنُوا جِدًّا"، ويفهم منه أنهم فهموا مراده فحزنوا، لكن مرقس يقول: "٣٢ وَأَمَّا هُمْ فَلَمْ
(١) انظر: هل افتدانا المسيح على الصليب؟ ، منقذ السقار (٣٣ - ٣٤).