للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا قيل: اعرض لي كذا؛ أي: عرضه فأمكن تناوله، وإذا قيل: أعرض عني فمعناه: ولَّى مبديًا عرضه؛ قال: {ثُمَّ أَعْرَضَ عَنْهَا} (السجدة: ٢٢)، {فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ وَعِظْهُمْ} (النساء: ٦٣)، {وَأَعْرِضْ عَنِ الْجَاهِلِينَ} (الأعراف: ١٩٩)، {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي} (طه: ١٢٤)، {وَهُمْ عَنْ آيَاتِهَا مُعْرِضُونَ} (الأنبياء: ٣٢)، وربما حذف عنه استغناء عنه نحو: {إِذَا فَرِيقٌ مِنْهُمْ مُعْرِضُونَ} (النور: ٤٨)، {ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ} (آل عمران: ٢٣)، {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ} (سبأ: ١٦)، وقوله: {وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ} (آل عمران: ١٣٣) (١).

الوجه الثاني: يصح أن يذكر الشيء المحدود (المتناهي) مع اللامحدود (اللامتناهي) في مواضع، ولا يمكن أن ننكر ذلك مطلقًا.

فكل عاقل يؤمن بالآخرة يعلم أن الدنيا لا تساوي شيئًا في الآخرة، ومع ذلك فالكتب المقدسة تذكر الدنيا (الشيء المحدود/ المتناهي) وتذكر الآخرة (اللامحدود/ اللامتناهي). والسماوات مهما كبرت فهي شي محدود (متناهي)، فمن باب أولى أنه لا غبار على ذكر الأرض وذكر السماوات معًا.

قال ابن حزم: وصح أيضًا مسندًا عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-: أن الدنيا في الآخرة كأصبع في اليم (٢).

وهذا إنما هو في نسبة المسافة لا في نسبة المدة؛ لأن مدة الآخرة لا نهاية لها، وما لا نهاية له فلا ينسب منه شيء البتة بوجه من الأوجه، ولا هو أيضًا نسبة من السرور واللذة، ولا من الحزن والبلاء؛ فإن سرور الدنيا مشوب بألم ومتناه منقض، وسرور الآخرة وحزنها خالصان غير متناهيين. اهـ.

والسؤال: لماذا ذكرت الدنيا مع الآخرة في الكتب المقدسة، مع أنها جاءت لتذم الدنيا


(١) انظر مفردات القرآن للراغب (كتاب العين) ١/ ٩٦٨، وانظر: البصائر ٤/ ٤٤.
(٢) في الفِصَل ٢/ ٨٣؛ مطلب: (بيان كروية الأرض).

<<  <  ج: ص:  >  >>