للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا يوجب أن لله عرشًا يُحمل، ويوجب أن ذلك العرش ليس هو الملك كما تقوله طائفة من الجهمية فإن الملك هو مجموع الخلق، فهنا دلت الآية على أن لله ملائكة من جملة خلقه يحملون عرشه وآخرون يكونون حوله، وعلى أنه يوم القيامة يحمله ثمانية إما ثمانية أملاك وإما ثمانية أصناف وصفوف وهذا إلى مذهب المثبتة أقرب منه إلى قول النافية بلا ريب. (١)

الوجه الرابع: أنَّ العرش في اللغة السرير بالنسبة إلى ما فوقه، وكالسقف بالنسبة إلى ما تحته.

فإذا كان القرآن قد جعل لله عرشًا وليس هو بالنسبة إليه كالسقف علم أنه بالنسبة إليه كالسرير بالنسبة إلى غيره وذلك يقتضي أنه فوق العرش.

[الوجه الخامس: إضافة العرش إلى الله إضافة اختصاص.]

إن إضافة العرش مخصوصة إلى الله لقوله: {وَيَحْمِلُ عَرْشَ رَبِّكَ فَوْقَهُمْ يَوْمَئِذٍ ثَمَانِيَةٌ (١٧)} (الحاقة: من الآية ١٧) يقتضي أنه مضاف إلى الله إضافة تخصه كما في سائر المضافات إلى الله كقوله: {بيت الله}، {وناقة الله} ونحو ذلك.

وإذا كان العرش مضافًا إلى الله في هذه الآية إضافة اختصاص؛ وذلك يوجب أن يكون بينه وبين الله من النسبة ما ليس لغيره، في يذكره الجهمية من الاستيلاء والقدرة وغير ذلك أمر مشترك بين العرش وسائر المخلوقات، وهذه الآية التي احتج بها تنفي أن يكون الثابت من الإضافة هو القدر المشترك، وتوجب اختصاصا للعرش بالله ليس لغيره كقوله: {عَرْشَ رَبِّكَ} وهذا إنما يدل على قول المثبتة هو إلى الدلالة عليه أقرب، وأيهما كان فقد دلت الآية على نقيض مطلوبه، وهو الذي ألزمناه فلم يذكر آية من كتاب الله على مطلوبه إلا وهي لا دلالة فيها؛ بل دلالتها على نقيض مطلوبه أقوى. اهـ. (٢)

[الوجه السادس: بعض ما ذكر في العرش.]

أولًا: في القرآن


(١) المصدر السابق ١/ ٥٧٦.
(٢) تلبيس الجهمية لشيخ الإسلام ابن تيمية (١/ ٥٦٤ - ٥٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>