أولا: إثبات أن هذه الشبهة ذكرت في عهد الصحابة ورَدَّ عليها عبد اللَّه بن عباس -رضي اللَّه عنه-، ورد عليها علماء المسلمين مِنْ بعده.
عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس -رضي اللَّه عنهم- قال سعيد: جاءه رجل، فقال: يا ابن عباس، إني أجد في القرآن أشياء تختلف عليَّ؛ فقد وقع ذلك في صدري! فقال ابن عباس: أتكذيبٌ؟ ! فقال الرجل: ما هو بتكذيب، ولكن اختلاف. قال: فهلم ما وقع في نفسك. قال له الرجل: أسمع اللَّه تعالى يقول: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ}، وقال في آية أخرى:{وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ}، وقال في آية أخرى:{وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا}، وقال في آية أخرى:{وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} فقد كتموا في هذه الآية؟ فقال ابن عباس -رضي اللَّه عنه-: هات ما وقع في نفسك من هذا؟ فقال السائل: إذا أنت أنبأتني بهذا فحسبي. قال ابن عباس -رضي اللَّه عنه-: قوله تعالى: {فَلَا أَنْسَابَ بَيْنَهُمْ يَوْمَئِذٍ وَلَا يَتَسَاءَلُونَ} فهذه في النفخة الأولى، ينفخ في الصور فصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء اللَّه، فلا أنساب بينهم يومئذ ولا يتساءلون، ثم إذا كان في النفخة الأخرى قاموا فأقبل بعضهم على بعض يتساءلون. وأما قوله:{وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ} وقوله: {وَلَا يَكْتُمُونَ اللَّهَ حَدِيثًا} فإن اللَّه تبارك وتعالى يغفر يوم القيامة لأهل الإخلاص ذنوبهم ولا يتعاظم عليه ذنب أن يغفره، ولا يغفر الشرك، فلما رأى المشركون ذلك قالوا: إن ربنا يغفر الذنوب ولا يغفر الشرك، فتعالوا نقول: إنا كنا أهل ذنوب ولم نكن مشركين. فقال اللَّه تعالى: أما إذ كتمتم الشرك