للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وزكاه في حلمه فقال: {بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} (التوبة: ١٢٨).

وزكاه في خلقه جل وعلا: {وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيمٍ} (القلم: ٤).

ومما زادني فخرًا وتيها ... وكدت بأخمصي أطأ الثريا

دخولي تحت قولك يا عبادي ... وأن سيرت أحمد لي نبيا

قال القاضي عياض: اعلم أيها المحب لهذا النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- الباحث عن تفاصيل جمل قدره العظيم أن خصال الجمال والكمال في البشر نوعان: ضروري دنيوي اقتضته الجبلة وضرورة الحياة الدنيا، ومكتسب ديني وهو ما يحمد فاعله ويقرب إلى الله تعالى زلفى.

فأما الضروري المحض فما ليس للمرء فيه اختيار ولا اكتساب، مثل ما كان في جلبته من كمال خلقته، وجمال صورته، وقوة عقله، وصحة فهمه، وفصاحة لسانه، وقوة حواسه وأعضائه، واعتدال حركاته، وشرف نسبه، وعزة قومه، وكرم أرضه، ويلحق به ما تدعوه ضرورة حياته إليه، من غذائه ونومه، وملبسه ومسكنه، ومنكحه، وماله وجاهه. وقد تلحق هذه الخصال الآخرة بالأخروية إذا قصد بها التقوى ومعونة البدن على سلوك طريقها، وكانت على حدود الضرورة وقواعد الشريعة.

وأما المكتسبة الأخروية فسائر الأخلاق العلية، والآداب الشرعية: من الدين، والعلم، والحلم، والصبر، والشكر، والعدل، والزهد، والتواضع، والعفو، والعفة، والجود، والشجاعة، والحياء، والمروءة، والصمت، والتؤدة، والوقار، والرحمة، وحسن الأدب، والمعاشرة، وأخواتها، وهي التي جماعها: حسن الخلق. (١)

ثانيًا: بيان أصول أخلاق المصطفى وتحقق وصفه بها -صلى الله عليه وسلم-: أما أصل فروعها وعنصر ينابيعها، ونقطة دائرتها: فالعقل الذي منه ينبعث العلم والمعرفة، ويتضرع عن هذا ثقوب الرأي، وجودة الفطنة والإصابة، وصدق الظن، والنظر للعواقب ومصالح النفس، ومجاهدة الشهوة، وحسن السياسة والتدبير، واقتناء الفضائل، وتجنب الرذائل. وقد بلغ النبي -صلى الله عليه وسلم- من


(١) الشفا بتعريف حقوق المصطفى ١/ ٧٦.

<<  <  ج: ص:  >  >>