للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال البيهقي: وهذا يشبه أن يكون أراد به تأليف ما نزل من الكتاب الآيات المتفرقة في سورها، وجمعها فيها بإشارة النبي - صلى الله عليه وسلم -، ثم كانت مثبتة في الصدور، مكتوبة في الرقاع واللِّخَاف والعسب، فجمعها منها في صحف بإشارة أبي بكر وعمر، ثم نسخ ما جمعه في الصحف، في مصاحف بإشارة عثمان بن عفان - رضي الله عنه - على ما رسم المصطفى - صلى الله عليه وسلم -، ولم ينتقل الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلى رفيقه الأعلى إلا والقرآن كله كان مكتوبًا، مرتب الآيات في سورها، غير أنه لم يكن مرتب السور، ولا مجموعًا في مصحف واحد، ولا موجودًا في مكان واحد، بل كان مفرقًا لدى الصحابة، وكان ذلك لما كان يتوقع من نزول ناسخٍ لآية حكمًا أو تلاوة (١).

[المرحلة الثانية: جمع القرآن في عهد أبي بكر الصديق.]

لما تُوفي الرسول - صلى الله عليه وسلم - سار خلفاؤه الراشدون على منهجه واستنوا بسنته، وسلكوا طريقته في العناية بالقرآن الكريم، واتجهت جهودهم أفرادًا وجماعات للعناية بالقرآن الكريم، ومن ذلك جمعه وترتيبه وكان ذلك في عهدَيّ أبي بكر الصديق - رضي الله عنه -، وعثمان بن عفان - رضي الله عنه -.

[تاريخ هذا الجمع]

وكان هذا الجمع بعد معركة اليمامة، في السنة الثانية عشر من الهجرة. وتدلنا الروايات التي وردت حول وقعة اليمامة وحديث جمع القرآن الكريم على مدى العناية والاهتمام من الصحابة رضي الله عنهم بالقرآن الكريم، فكان حفظ القرآن الكريم شعارًا لهم في وقعة اليمامة، حيث كانوا يتنادون به، ويشجعون أنفسهم أمام قوة عدوهم بعبارات تدل على حفظهم للقرآن الكريم، وكان شعار أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم مسيلمة (يا أصحاب سورة البقرة) (٢).

وعن سالم مولى أبي حذيفة، أنه كان معه لواء المهاجرين يوم اليمامة، فقيل له: إنا نخاف عليك. كأنهم يعنون الفرار، فقال: "بئس حامل القرآن أنا إذًا" (٣).

وقول أبي حذيفة: "يا أهل القرآن: زينوا القرآن بالفعال" (٤).


(١) دلائل النبوة للبيهقي ٨/ ٢٣٢، وانظر الإتقان في علوم القرآن ١/ ١٦٤.
(٢) عبد الرزاق ٥/ ٢٣٢ (٩٤٦٥)، وابن أبي شيبة ٦/ ٥٤٧ (٣٣٧٢٤).
(٣) فضائل القرآن للقاسم بن سلام ١/ ١١٢، أسد الغابة ١/ ٤١٠.
(٤) تاريخ الطبري ٢/ ١٥٩، الكامل في التاريخ ١/ ٣٧٤، البداية والنهاية ٦/ ٣٢٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>