للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قلنا نحن: إن عيسى بالكلمة كان وليس عيسى هو الكلمة، وأما قول الله تعالى: {وَرُوحٌ مِنْهُ} يقول: من أمره كان الروح فيه كقوله: {وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ} يقول: من أمره، وتفسير روح الله إنما معناها: أنها روح يملكها الله خلقها الله كما يقال: عبد الله، وسماء الله، وأرض الله (١).

المعنى الثاني: المراد بالكلمة كلمة البشارة.

يعني برسالة من الله، وخبر من عنده وهو من قول القائل: ألقى فلان إليَّ كلمة سرني بها بمعنى: أخبرني خبرًا فرحت به كما قال جل ثناؤه: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ} [النساء: ١٧١] يعني: بشرى الله مريم بعيسى ألقاها إليها.

فتأويل الكلام: وما كنت يا محمد عند القوم؛ إذ قالت الملائكة لمريم: يا مريم، إن الله يبشرك ببشرى من عنده؛ هي ولد لك اسمه المسيح عيسى ابن مريم (٢).

[الوجه الرابع: بيان اختصاص المسيح بإطلاق الكلمة عليه.]

يقول محمد رشيد رضا: لماذا خص المسيح بإطلاق الكلمة عليه؟ وأجيب عن ذلك:

١ - بأن الأشياء تنسب في العادة والعرف العام في البشر إلى أسبابها، ولما فقد في تكوين المسيح وعلوق أمه به ما جعله الله سببًا للعلوق، وهو تلقيح ماء الرجل لما في الرحم من البيوض التي يتكون منها الجنين، أضيف هذا التكوين إلى كلمة الله، وأطلقت الكلمة على المكون إيذانًا بذلك أو جعل كأنه نفس الكلمة مبالغة، وهذا هو الوجه المشهور.

٢ - أنه أطلق عليه لفظ الكلمة لمزيد إيضاحه لكلام الله الذي حرفه قومه اليهود حتى أخرجوه عن وجهه، وجعلوا الدين ماديًا محضًا؛ قاله الرازي. وجعله من قبيل وصف الناس للسلطان العادل بظل الله ونور الله، لما أنه سبب لظهور ظل العدل ونور الإحسان قال: فكذلك كان عيسى سببًا لظهور كلام الله - عز وجل - بسبب كثرة بياناته له، وإزالة الشبهات


(١) الرد على الزنادقة للإمام أحمد (٣٢)، درء تعارض العقل مع النقل (٧/ ٢٦٠).
(٢) تفسير الطبري (٣/ ٢٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>