حتى ضبطوا مقادير المدات وتفاوت الإمالات، وميزوا بين الحروف بالصفات، مما لم يهتد إليه فكر أمة من الأمم، ولا يوصل إليه إلا بإلهام بارئ النسم.
ومنها: ما ادخره الله من المنقبة العظيمة، والنعمة الجليلة الجسيمة لهذه الأمة الشريفة، من إسنادها كتاب ربها، واتصال هذا السبب الإلهي بسببها خصيصة الله تعالى هذه الأمة المحمدية، وإعظامًا لقدر أهل هذه الملة الحنيفية، وكل قارئ يوصل حروفه بالنقل إلى أصله، ويرفع ارتياب الملحد قطعًا بوصله، فلو لم يكن من الفوائد إلا هذه الفائدة الجليلة لكفت، ولو لم يكن من الخصائص إلا هذه الخصيصة النبيلة لوفت.
ومنها: ظهور سر الله في توليه حفظ كتابه العزيز وصيانة كلامه المنزل بأوفى البيان والتمييز، فإن الله تعالى لم يخل عصرًا من الأعصار، ولو في قطر من الأقطار، من إمام حجة قائم بنقل كتاب الله تعالى وإتقان حروفه ورواياته، وتصحيح وجوهه وقراءاته، يكون وجوده سببًا لوجود هذا السبب القويم على ممر الدهور، وبقاؤه دليلًا على بقاء القرآن العظيم في المصاحف والصدور (١).
ثانيًا: على أي شيء يتوجه اختلاف هذه السبعة.
فإنه يتوجه على أنحاء ووجوه مع السلامة من التضاد والتناقض، فإن الاختلاف المشار إليه في ذلك اختلاف تنوع وتغاير لا اختلاف تضاد وتناقض؛ فإن هذا محال أن يكون في كلام الله تعالى قال تعالى: {أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِنْدِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا (٨٢)} [النساء: ٨٢].
أولًا: فمنها: ما يكون لبيان حكم مجمع عليه كقراءة سعد بن أبي وقاص وغيره (وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ - من أُم)؛ فإن هذه القراءة تبين أن المراد بالأخوة هنا هو الإخوة للأم، وهذا أمر مجمع عليه.
ثانيًا: منها: ما يكون مرجحًا لحكم اختلف فيه كقراءة {أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبةٍ مُؤْمِنَةٍ} في كفارة اليمين، ففيها ترجيح لاشتراط الإيمان فيها كما ذهب إليه الشافعي وغيره، ولم