للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأنت ترى الكلمة من القرآن يتمثل بها في تضاعيف كلام كثير، وهي غرة جميعه وواسطة عقده، والمنادي على نفسه بتميزه وتخصصه برونقه وجماله. (١)

٣ - عدم وجود لفظة مُستكرهة:

فالقرآن ليس فيه لفظ مسخوط، ومعنًى مدخول، ولا تناقض، ولا اختلاف تضادّ، وجميعه في هذه الوجوه جار على منهاج واحد، وكلام العباد لا يخلو إذا طال من أن يكون فيه الألفاظ الساقطة، والمعاني الفاسدة، والتناقض في المعاني، وهذه المعاني التي ذكرنا من عيوب الكلام موجودة في كلام الناس من أهل سائر اللغات، لا يختص باللغة العربية دون غيرها، فجائز أن يكون التحدي واقعًا للعجم بمثل هذه المعاني في الإتيان بها، عارية مما يعيبها ويهجنها من الوجوه التي ذكرناها، ومن جهة أن الفصاحة لا تختص بها لغة العرب دون سائر اللغات، وإن كانت لغة العرب أفصحها، وقد علمنا أن القرآن في أعلى طبقات البلاغة، فجائز أن يكون التحدي للعجم واقعًا؛ بأن يأتوا بكلام في أعلى طبقات البلاغة بلغتهم التي يتكلمون بها. (٢)

فمفردات اللغة العربية منها متآلف في حروفه، ومتنافر، وواضح مستأنس، وخفي غريب، ورقيق خفيف على الأسماع، وثقيل كريه تمجه الأسماع، وموافق لقياس اللغة، ومخالف له ثم من هذه المفردات: عام وخاص، ومطلق ومقيد، ومجمل ومبين، ومعرف ومنكر، وظاهر ومضمر، وحقيقة ومجاز. (٣)

[٤ - مناسبة الألفاظ لجميع الأجيال]

فألفاظ القرآن اختيرت اختيارًا يتجلى فيه وجه الإعجاز من هذا الاختيار، وذلك في الألفاظ التي نمر بها على القرون والأجيال، منذ نزل القرآن إلى اليوم؛ فإذا بعض الأجيال يفهم منها ما يناسب تفكيره، ويلائم ذوقه ويوائم معارفه، وإذا أجيال أخرى تفهم من هذه الألفاظ عينها غير


(١) إعجاز القرآن للباقلاني ١/ ٤٢.
(٢) أحكام القرآن للجصاص ٥/ ٣٤.
(٣) مناهل العرفان في علوم القرآن ٢/ ٣٠٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>