للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإنهم ليكذبون بما تدل عليه آيات الكتاب الحكيم: من حجج على وجود الله، وعلى علمه، وعلى قدرته، وعلى أنه المنزل لكتابه: الناسخ والمنسوخ منه وغيره، فكيف يهتدون؟ وكيف ينجون من العذاب الأليم؟ على أن الذي يكذب على الله ليس هو محمدًا وأصحابه الذين آمنوا به، وإنما يكذب ويفتري ويختلق على الله: من ينكر وحدانية الله ولا يؤمن بآياته، من يكفر بالله ولا يطمئن قلبه بالإيمان، من استحب الحياة الدنيا لزخرفها الباطل وغرورها وخداعها، فآثرها لهذا السبب على الآخرة.

فهم الذين افتروا ويفترون على الله إذن؛ بإنكارهم للنسخ، وبادعائهم أن محمدًا يفتري على ربه، وبزعمهم أنه إنما يعلمه بشر، أما محمد فلم يفتر على الله شيئًا، وما كان ليفتري وهو الصادق الأمين (١).

[الشبهة الحادية عشرة: قالوا: إن النسخ يدل على وجود التحريف والتبديل في القرآن وأنه لم يحفظ؛ بل حصل فيه كثير من التغيير.]

فقد ثبت أن كثيرًا من الآيات المنسوخة كانت تتلى بعد الرسول - صلى الله عليه وسلم -، مثل حديث عَائِشَةَ قَالَتْ: كَانَ فِيمَا أُنْزِلَ مِن الْقُرْآنِ عَشْرُ رَضَعَاتٍ مَعْلُومَاتٍ يُحَرِّمْنَ ثُمَّ نُسِخْنَ بِخَمْسٍ مَعْلُومَاتٍ فَتُوُفِّيَ رَسُولُ الله - صلى الله عليه وسلم - وَهُنَّ فِيمَا يُقْرَأُ مِنْ الْقُرْآنِ.

والجواب على هذه الشبهة من هذه الوجوه:

الوجه الأول: النسخ موجود في الشرائع السابقة؛ فمن طعن في القرآن من هذا الباب فهو يطعن في جميع الشرائع المنزلة.

فقد نسخت التوراة إباحة تزوج الأخوة والأخوات كما كان في عهد آدم - عليه السلام -، ونصها في سفر اللاويين (١٨/ ١٤: ١٣) "عَوْرَةَ أُخْتِ أُمِّكَ لَا تَكْشِفْ. إِنَّهَا قَرِيبَةُ أُمِّكَ. ١٤ عَوْرَةَ أَخِي أَبِيكَ لَا تَكْشِفْ. إِلَى امْرَأَتِهِ لَا تَقْتَرِبْ. إِنَّهَا عَمَّتُكَ."، ونسخ إباحة الجمع بين الأختين كما كان ذلك في عهد يعقوب - رضي الله عنه - فإنه كان يجمع بين ليا وراحيل ابنتي خاله،


(١) النسخ في القرآن د/ مصطفى زيد (١/ ٢٤٥: ٢٤٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>