للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعليه فإذا عرف كل امرئ مهمته وقت الرحيل، فإن رحيل الجيش لا يستغرق وقتًا طويلًا كما ظن الكاتب.

[تاسع عشر: لماذا قعدت يائسة ولم تلحق بالعسكر؟]

والجواب:

أولًا: لقد قالت عائشة: (وظننت أن القوم سيفقدونني ويرجعون إلي .. ) ويفهم من هذا كما هو واضح أنها لم تقعد يائسة، ولكنها قعدت منتظرة لرجوع الجيش إذا علموا بأنها ليست معهم.

ثانيًا: (لقد قالت قبل ذلك: وكنت جارية حديثة السن) ويفهم من هذا قلة خبرتها لحداثة سنها ولكونها امرأة بطرق الصحراء الكثيرة المتشعبة المتشابهة.

ثالثا: ماذا لو أنها سارت خلف الجيش في طريقه، ورجع الجيش ليبحث عنها من طريق آخر فلم يجدها في الطريق ولا في مكان نزول الجيش، يقوم الجيش بالرجوع وتركها في الصحراء أم يبحث عنها. ثم لو بحث فأين يبحث في هذه الصحراء الشاسعة المترامية الأطراف، وإلى متى يبحث حتى يجدها أو حتى يشرف على الهلاك، وإذا وجدها بعد ذلك حية أو ميتة فهل كانت تسلم من أقلامكم، وألسنتكم. وإذا لم يجدها أصلًا فما هو مقدار حظها من السلامة من أقلامكم وألسنتكم؟

إن الصواب هو ما فعلته عائشة؛ لأنها جلست في مكانها فإذا افتقدها الجيش رجع إلى المكان فوجدها من غير عناء ولا تعب ولا مشقة السفر.

قال الحافظ ابن حجر: قال عياض تعليقًا على قولها: (وظننت أن القوم سيفقدونني ويرجعون) الظَّنّ هُنَا بِمَعْنَى الْعِلْم، وَتُعُقِّبَ بِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُون عَلَى بَابه، فَإِنَّهُمْ أَقَامُوا إِلَى وَقْت الظُّهْر وَلَمْ يَرْجِع أَحَد مِنْهُمْ إِلَى المنْزِل الَّذِي كَانَتْ بِهِ وَلَا نُقِلَ أَنَّ أَحَدًا لَاقَاهَا فِي الطَّرِيق، لَكِنْ يُحْتَمَل أَنْ يَكُونُوا اِسْتَمَرُّوا فِي السَّيْر إِلَى قُرْب الظُّهْر، فَلَمَّا نَزَلُوا إِلَى أَنْ يَشْتَغِلُوا بِحَطِّ رِحَالهمْ وَرَبْط رَوَاحِلهمْ وَاسْتَصْحَبُوا حَالهمْ فِي ظَنّهمْ أَنَّهَا فِي هَوْدَجهَا لَمْ يَفْتَقِدُوهَا إِلَى أَنْ وَصَلَتْ عَلَى قُرْب، وَلَوْ فَقَدُوهَا لَرَجَعُوا كَمَا ظَنَّتْهُ. وَقَدْ وَقَعَ فِي رِوَايَة اِبْن إِسْحَاق (وَعَرَفَتْ أَنْ لَوْ اِفْتَقَدُونِي

<<  <  ج: ص:  >  >>