للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إسماعيل، فدل على أنه هو الذبيح. (١)

قال الشنقيطي: اعلم وفقني الله وإياك، أن القرآن العظيم قد دل في موضعين على أن الذبيح هو إسماعيل لا إسحاق، أحدهما في الصافات والثاني في هود، أما دلالة آيات الصافات على ذلك فهي واضحة جدًّا من سياق الآيات، وإيضاح ذلك على أنه تعالى قال عن نبيه إبراهيم عليه السلام: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (٩٩)} (الصافات: ٩٩ - ١١١)، قال بعد ذلك عاطفًا على البشارة الأولى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (١١٢)} (الصافات: ١١٢) فدل ذلك على أن البشارة الأولى شيء غير المبشر به في الثانية، لأنه لا يجوز حمل كتاب الله على أن معناه {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ} ثم بعد انتهاء قصة ذبحه يقول أيضًا: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ} فهو تكرار لا فائدة فيه ينزه عنه كلام الله، وهو واضح في أن الغلام المبشر به أولًا فدي بالذبح العظيم هو إسماعيل، وأن البشارة بإسحاق نص الله عليها مستقلة بعد ذلك ... ومعلوم أن في اللغة العربية أن العطف يقتضي المغايرة، فآية الصافات هذه دليل واضح للمنصف على أن الذبيح إسماعيل عليه السلام لا إسحاق. عليه السلام (٢).

[٢ - الحجة الثانية: اقتران البشارة بإسحاق عليه السلام البشارة بابنه يعقوب عليه السلام.]

حيث قال الله سبحانه وتعالى: {فَبَشَّرْنَاهَا بِإِسْحَاقَ وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ} (هود: ٧١).

قال الرازي: فنقول لو كان الذبيح إسحاق لكان الأمر بذبحه إما أن يقع قبل ظهور يعقوب منه أو بعد ذلك فالأول: باطل لأنه تعالى لما بشرها بإسحاق، وبشرها معه بأنه يحصل منه يعقوب فقبل ظهور يعقوب منه لم يجز الأمر بذبحه، وإلا حصل الخلف في قوله {وَمِنْ وَرَاءِ إِسْحَاقَ يَعْقُوبَ}، والثاني: باطل لأن قوله: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَابُنَيَّ إِنِّي


(١) الكشاف ٤/ ٥٦، ابن كثير في تفسيره ١٢/ ٣٧، أبو السعود في تفسيره ٤/ ٥٠٠، البيضاوي في التفسير (٥٨٨)، فتح القدير ٤/ ٥٦٧، الخازن في تفسيره ٤/ ٢٢، روح المعاني ٢٣/ ١٣٣، التحرير والتنوير ٢٣/ ١٥٩، مجموع الفتاوى ٤/ ٣٣٥، إغاثة اللهفان ٢/ ٤٨٢ وما بعدها.
(٢) أضواء البيان ٦/ ٦٩١ - ٦٩٣، وأما موضع هود فسيأتي.

<<  <  ج: ص:  >  >>