للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والدلالة والتعريف ترتب عليه هداية التوفيق، وجعل الإيمان في القلب وتحبيبه إليه وتزيينه في القلب وجعله مؤثرًا له راضيًا به راغبًا فيه، وهما هدايتان مستقلتان لا يحصل الفلاح إلا بهما، وهما متضمنتان تعريف ما لم نعلمه من الحق تفصيلًا وإجمالًا، وإلهامنا له وجعلنا مريدين لاتباعه ظاهرًا وباطنًا، ثم خلق القدرة لنا على القيام بموجب الهدى بالقول والعمل والعزم، ثم إدامة ذلك لنا وتثبيتنا عليه إلى الوفاة.

ومن هنا يعلم اضطرار العبد إلى سؤال هذه الدعوة فوق كل ضرورة وبطلان قول من يقول: إذا كنا مهتدين فكيف نسأل الهداية؟ فإن المجهول لنا من الحق أضعاف المعلوم وما لا نريد فعله تهاونًا وكسلًا مثل ما نريده أو أكثر منه أو دونه، وما لا نقدر عليه مما نريده كذلك، وما نعرف جملته ولا نهتدي لتفاصيله فأمر يفوت الحصر، ونحن محتاجون إلى الهداية التامة، فمن كملت له هذه الأمور كان سؤال الهداية له سؤال التثبيت والدوام (١).

فهداية الصراط المستقيم تتضمن الشفاء من مرض الضلال، ولذلك كان سؤال هذه الهداية أفرض دعاء على كل عبد وأوجبه عليه كل يوم وليلة في كل صلاة؛ لشدة ضرورته وفاقته إلى الهداية المطلوبة، ولا يقوم غير هذا السؤال مقامه (٢).

[الوجه السابع: كيفية تبرئة الخطاة عند النصارى، والوصول إلى الهداية عندهم.]

النصارى يرون أن سبيل الحصول على الخلاص من الخطية هو الإيمان بالمسيح مخلصًا، وأنه مات على الصليب فداءً للبشر من خطية آدم، وهم يشرحون طريقة الخلاص كالآتي:

التبرير (٣): هو إعلان البر: أي إعلان لا ذنب لمن اعتُبر مذنبًا. . وهو قبول الإنسان لنعمة بها يمنحه الله مغفرة ذنوبه ومصالحته معه، وتدل اللفظة على أن الإنسان المذنب يتقبل برَّ الله فيصبح بارًا بفعل شاءته نعمة الله، فيحصل على دينونة لصالحه، مع أن هذا ليس أمرًا عاديًا، ولا يمكن للإنسان أن يتوقعه.


(١) مدارج السالكين لابن القيم (١/ ٢٢).
(٢) مدارج السالكين لابن القيم (١/ ٦١).
(٣) انظر المحيط الجامع في الكتاب المقدس والشرق القديم (٣١٥ وما بعدها).

<<  <  ج: ص:  >  >>