للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدليل الأول: اختلاف الرواية عن أنس - رضي الله عنه - في تحديد الأربعة.

فمِمَّا يدل على إرادة الحصر الإضافي اختلاف الرواية عن أنس - رضي الله عنه - في تحديد الأربعة، ففي رواية؛ قَالَ: مَاتَ النبي - صلى الله عليه وسلم - وَلَمْ يَجْمَعِ الْقُرْآنَ غَيْرُ أَرْبَعَةٍ: أَبُو الدَّرْدَاءِ وَمُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ وَأَبُو زَيْدٍ. قَالَ وَنَحْنُ وَرِثْنَاهُ. (١) وفي رواية أخرى أن قتادة سأل أَنَسَ بْنَ مَالِكٍ - رضي الله عنه - مَنْ جَمَعَ الْقُرْآنَ عَلَى عَهْدِ النبي - صلى الله عليه وسلم -؟ قَالَ: أَرْبَعَةٌ كُلُّهُمْ مِنَ الأَنْصَارِ: أُبَىُّ بْنُ كَعْبٍ، وَمُعَادُ بْنُ جَبَلٍ، وَزَيْدُ بْنُ ثَابِتٍ، وَأَبُو زَيْدٍ (٢).

قال الزرقاني: فأنت ترى أن أنسًا في هذه الرواية ذكر من الأربعة أبي بن كعب بدلًا من أبي الدرداء في الرواية السابقة. وهو صادق في كلتا الروايتين؛ لأنه ليس بمعقول أن يكذب نفسه، فتعين أنه يريد من الحصر الذي أورده الحصر الإضافي بأن يقال: إن أنسا - رضي الله عنه - تعلق غرضه في وقت ما بأن يذكر الثلاثة، ويذكر معهم أبي بن كعب دون أبي الدرداء، حاصرًا الجمع فيهم، ثم علق غرضه في وقت آخر بأن يذكر الثلاثة ويذكر معهم أبا الدرداء دون أبي بن كعب، وهذا التوجيه وإن كان بعيدًا إلا أنه يتعين المصير إليه جمعا بين هاتين الروايتين وبينهما وبين روايات أخرى ذكرت غير هؤلاء (٣).

والاختلاف في تحديد المعدود المحصور يدل على عدم إرادة الحصر الحقيقي (٤).

الدليل الثاني: استحالة إحاطة أنس بحال كل الصحابة، وأنَّهم لم يجمعوا القرآن كله.

قال المازري: لا يلزم من قول أنس لم يجمعه غيرهم أن يكون الواقع في نفس الأمر كذلك؛ لأن التقدير أنه لا يعلم أن سواهم جمعه، وإلا فكيف الإحاطة بذلك مع كثرة الصحابة، وتفرقهم في البلاد، وهذا لا يتم إلا إن كان لقي كل واحد منهم على انفراده، وأخبره عن نفسه أنه لم يكمل له جمع القرآن في عهد النبي - صلى الله عليه وسلم -، وهذا في غاية البعد في


(١) البخاري (٥٠٠٤).
(٢) البخاري (٥٠٠٣)، مسلم (٢٤٦٥).
(٣) مناهل العرفان في علوم القرآن ١/ ٢٠٠.
(٤) كتاب جمع القرآن ١/ ٣٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>