للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أما المعنى الذي توخاه كسرى في استثناء الجند ونحوهم، فبينه العلامة ابن الأثير في كتابه (الكامل) ناقلًا عن كلام كسرى فقال: ولما نظرت في ذلك وجدت المقاتِلة أجراء لأهل العمارة، وأهل العمارة أجراء للمقاتِلة، فإنهم يطلبون أجورهم من أهل الخراج وسكان البلدان لمدافعتهم عنهم ومجاهدتهم عمن وراءهم، فحق أهل العمارة أن يوفوهم أجورهم، فإن العمارة والأمن والسلامة في النفس والمال لا يتم إلا بهم، ورأيت أن المقاتلة لا يتم لهم المقام والأكل والشرب وتثمير الأموال والأولاد إلا بأهل الخراج والعمارة، فأخذت للمقاتلة من أهل الخراج ما يقوم بأودهم، وتركت على أهل الخراج من مستغلاتهم ما يقوم بمؤونتهم وعمارتهم، ولم أجحف بواحد من الجانبين.

وحاصله: أنه يجب على كل فرد من أفراد الملة المدافعة عن نفسه وماله، فمن كان يقوم بهذا العبء بنفسه فليس عليه شيء، وهؤلاء أهل الجند والمقاتلة، وأما من كان يشغله أمر العمارة وتدبير الحرث على المخاطرة بالنفس فيحق عليه أن يؤدي شيئًا معلومًا في كل سنة، يصرف في وجوه حمايته والدفاع عنه.

وهذا هو المعني بالجزية؛ فإنها تؤخذ من أهل العمارة وتعطى للمقاتلة والجند اللذين نصبوا أنفسهم لحماية البلاد واستتباب وسائل الأمن والسلامة لكافة العباد. (١)

وقال المؤرخ الشهير أبو حنيفة أحمد بن داود الدينوري (وهو أقدم زمانًا من الطبري) في كتابه: (الأخبار الطوال في ذكر كسرى أنوشروان): ووظف الجزية على أربع طبقات، وأسقطها على أهل البيوتات، والمرازبة، والأساورة، والكتاب ومن كان في خدمة الملك، ولم يلزم أحدًا لم تأتِ له عشرون سنة أو جاوز الخمسين. (٢)

ومن خلال هذا يعلم أن الجزية كانت موجودة قبل الإسلام، وسيأتي مزيد بيان لذلك.

٣ - مشروعية الجزية: ثبتت مشروعية الجزية بالكتاب، والسنة، والإجماع.


(١) تاريخ الطبري (١/ ٤٥٣)، والكامل لابن الأثير ذكر ملك كسرى أنو شروان، ومجلة المنار (٤٤/ ٦).
(٢) مجلة المنار (٤٤/ ٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>