للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال القاضي عياض: هذا تقرير من الله جل اسمه لنبيه - صلى الله عليه وسلم - على عظيم نعمه لديه وشريف منزلته عنده وكرامته عليه بأن شرح قلبه للإيمان والهداية ووسعه لوعى العلم، وحمل الحكمة، ورفع عنه ثقل أمور الجاهلية عليه، وبغضه لسيرها، وما كانت عليه بظهور دينه على الدين كله، وحط عنه عهدة أعباء الرسالة والنبوة لتبليغه للناس ما نزل إليهم، وتنويهه بعظيم مكانه وجليل رتبته ورفعة ذكره (١).

[المعنى الرابع: الوزر: كثرة نعم الله تعالى عليه، وصعوبة شكرها.]

قال الماوردي: {الَّذِي أَنْقَضَ ظَهْرَكَ (٣)} أثقل ظهرك، وفيه ثلاثة أوجه، وذكر منها: أثقل ظهره بالنعم حتى شكرها. (٢)

وقال الرازي: أن المراد من الوزر والثقل: الحيرة التي كانت له قبل البعثة، وذلك أنه بكمال عقله لما نظر إلى عظيم نعم الله تعالى عليه، حيث أخرجه من العدم إلى الوجود وأعطاه الحياة والعقل وأنواع النعم، ثقل عليه نعم الله وكاد ينقض ظهره من الحياء، لأنه - صلى الله عليه وسلم - كان يرى أن نعم الله عليه لا تنقطع، وما كان يعرف أنه كيف كان يطيع ربه، فلما جاءته النبوة والتكليف، وعرف أنه كيف ينبغي له أن يطيع ربه؛ فحينئذ قل حياؤه، وسهلت عليه تلك الأحوال؛ فإن اللئيم لا يستحي من زيادة النعم بدون مقابلتها بالخدمة، والإنسان الكريم النفس إذا كثر الإنعام عليه وهو لا يقابلها بنوع من أنواع الخدمة؛ فإنه يثقل ذلك عليه جدًّا، بحيث يميته الحياء؛ فإذا كلفه المنعم بنوع خدمة سهل ذلك عليه وطاب قلبه. (٣)

[المعنى الخامس: الوزر ما كان يلحقه - صلى الله عليه وسلم - من الأذى والشتم.]

الوزر ما كان يلحقه من الأذى والشتم، حتى كاد ينقض ظهره وتأخذه الرعدة، ثم قواه الله تعالى حتى صار بحيث كانوا يدمون وجهه، وهو يقول: "اللهم اهد قومي" (٤).


(١) الشفا ١/ ٤٣.
(٢) تفسير الماوردي ٦/ ٢٩٦.
(٣) تفسير الرازي ٣٢/ ٥ بتصرف يسير.
(٤) تفسير الرازي ٣٢/ ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>