للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(فصلت: ١ - ١٣) ثم مضى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فيها يقرؤها عليه فلما سمعها عتبة منه أنصت لها، وألقى يديه خلف ظهره معتمدًا عليهما يستمع منه ثم انتهى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى السجدة منها فسجد. ثم قال: "قد سمعتَ يا أبا الوليد ما سمعتَ فأنت وذاك". (١)

وفي روايةٍ: وإن كان إنما بك الباءة فاختر أي نساء قريش شئت فلنزوجك عشرًا. (٢)

[الوجه الرابع: حال النبي - صلى الله عليه وسلم - في غزواته ووصاياه لأمرائه وعفوه عن أهل مكة بعد فتحها.]

أن الوصايا التي كان يزود بها قادة جيوشه تدل على أنه - صلى الله عليه وسلم - لم يكن طالب مغنمٍ، ولا صاحب شهرةٍ، بل كان هدفه الأوحد والوحيد إبلاغ دين الله للناس، وإزالة العوائق المعترضة سبيل الدعوة، فها هو يوصي معاذ بن جبلٍ - رضي الله عنه - عندما أرسله إلى اليمن بقوله: "إِنَّكَ تَقْدَمُ عَلَى قَوْمٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ فَلْيَكُنْ أَوَّلَ مَا تَدْعُوهُمْ إِلَى أَنْ يُوَحِّدُوا الله تَعَالَى فَإِذَا عَرَفُوا ذَلِكَ فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الله قَدْ فَرَضَ عَلَيْهِمْ خَمْسَ صَلَوَاتٍ فِي يَوْمِهِمْ وَلَيْلَتِهِمْ فَإِذَا صَلَّوْا فَأَخْبِرْهُمْ أَنَّ الله افْتَرَضَ عَلَيْهِمْ زَكَاةً فِي أَمْوَالهِمْ تُؤْخَذُ مِنْ غَنِيِّهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فَقِيرِهِمْ فَإِذَا أَقَرُّوا بِذَلِكَ، فَخُذْ مِنْهُمْ وَتَوَقَّ كَرَائِمَ أَمْوَالِ النَّاسِ" (٣).

وهو - صلى الله عليه وسلم - لم يقاتل أحدًا قبل دعوته إلى الإسلام، الذي تصان به الدماء والحرمات.

ويجدر بنا هنا أن نذكر موقفه - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة، فهذه قريشٌ قد بالغت في أذاه - صلى الله عليه وسلم -، وأحكمت قبضتها منه، ثم أخرجته من بين أهله، وعشيرته. قتلوا من أصحابه في يوم أُحُدٍ سبعين وجرحوا آخرين، ومن قبلُ في مكة قتلوا وعذبوا وشردوا، وطردوا المسلمين من مكة بعد أن جَرَّدوهم من كل ما يملكون من هذه الدنيا، وجُرِحَ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم أُحُدٍ وكُسِرَتْ رَبَاعِيَتُهُ، وشُجَّ وجهه - صلى الله عليه وسلم - وهو يقول: "اللهمَّ اغْفِرْ لِقَوْمِي فَإِنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ" (٤)


(١) فقه السيرة ١/ ١١٥ - ١١٦ وقال الألباني: وإسناده حسن إن شاء الله.
(٢) صحيح السيرة النبوية للألباني ١/ ١٦٠ - ١٦١.
(٣) البخاري (٧٣٧٢)، ومسلم (١٩).
(٤) البخاري (٣٤٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>