ففي هذا يقول تعالى موطئًا قبل المقصود المعنوي أمرًا معروفًا حسيًا، وهو أنه كما لا يكون للشخص الواحد قلبان في جوفه، ولا تصير زوجته التي يظاهر منها بقوله: أنت عَلَيَّ كظهر أمي أمًا له، كذلك لا يصير الدَّعيّ ولدًا للرجل إذا تبنَّاه فدعاه ابنا له، فقال:{مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ اللَّائِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ}، كقوله:{مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ إِلَّا اللَّائِي وَلَدْنَهُمْ وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ وَزُورًا}(المجادلة: ٢).
وقوله:{وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ}: هذا هو المقصود بالنفي؛ فإنها نزلت في شأن زيد بن حارثة مولى النبي - صلى الله عليه وسلم -، كان النبي - صلى الله عليه وسلم - قد تبناه قبل النبوة، وكان يقال له: زيد بن محمد، فأراد الله تعالى أن يقطع هذا الإلحاق وهذه النسبة بقوله:{وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَاءَكُمْ أَبْنَاءَكُمْ} كما قال في أثناء السورة: {مَا كَانَ مُحَمَّدٌ أَبَا أَحَدٍ مِنْ رِجَالِكُمْ وَلَكِنْ رَسُولَ اللَّهِ وَخَاتَمَ النَّبِيِّينَ وَكَانَ اللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا}(الأحزاب: ٤٠) وقال هاهنا: {ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} يعني: تبنيكم لهم قول لا يقتضي أن يكون ابنًا حقيقيًا، فإنه مخلوق من صلب رجل آخر، فما يمكن أن يكون له أبوان، كما لا يمكن أن يكون للبشر الواحد قلبان. (١)
وقوله:{ذَلِكُمْ قَوْلُكُمْ بِأَفْوَاهِكُمْ} فيه لطيفة: وهو أن الكلام المعتبر على قسمين: