قريش منهم النصر بن الحارث، وعقبة بن أبي مُعَيْط، وغيرهما أن يسألوا محمدًا - صلى الله عليه وسلم - عن ثلاثة أمور لا يعلمها إلا نبي مرسل:
عن فتية ذهبوا في الدهر الأول ما كان من أمرهم؛ فإنه قد كان لهم حديث عجب، وسلوه عن رجل طواف طاف مشارق الأرض ومغاربها ما كان نبؤه، وسلوه عن الروح ما هي؟ فإن أخبركم بذلك فهو نبي فاتبعوه، وإن لم يخبركم فإنه رجل متقول فاصنعوا في أمره ما بدا لكم. فأقبل النضر وعقبة حتى قدما مكة على قريش فقالا: يا معشر قريش قد جئناكم بفصل ما بينكم وبين محمد قد أمرنا أحبار يهود أن نسأله عن أمور وأخبروهم بها فجاءوا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقالوا: يا محمد: أخبرنا فسألوه عما أمروهم به، فقال لهم رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "أخبركم عما سألتم عنه غدًا، ولم يستثن، فانصرفوا عنه فمكث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خمس عشرة ليلة لا يحدث الله تعالى إليه في ذلك وحيًا ولا يأتيه جبريل - عليه السلام - حتى أرجف أهل مكة وقالوا: وعدنا محمد غدًا واليوم خمس عشرة ليلة وقد أصبحنا فيها لا ينجزنا بشيء مما سألناه عنه حتى حزن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ومكث الوحي عنه، وشق عليه ما تكلم به أهل مكة ثم جاء جبريل من الله بسورة أصحاب الكهف فيها معاتبة إياه على حزنه، وخبر ما سألوه عنه من أمر الفتية والرجل الطواف. يقول الله تعالى:{وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا}(١).
فلو كانت هذه قصة غير صحيحة لما اقترحها يهود، ولاعترضوا عليها عندما سمعوها منه، ولأظهروا بطلانها، فعندما سمعوها ولم يعترضوا عليها دل ذلك على صدقها، وبطلان زعم هؤلاء أنها قصة خرافية.
[الوجه الثالث: عدم حجية الكتاب المقدس.]
أما حجتهم بعدم ذكرها في الكتاب المقدس فليس بدليل لهم؛ لأن هذا الكتاب دخله الزيادة والنقصان، والتحريف والتبديل وما فيه من اضطراب يزعزع الثقة فيه كما هو حال رسائل بولس مع الأناجيل الأربعة، ومع سبق ذكره من الأدلة على ذلك.
ومسألة تحريف الكتاب الذي بين أيدي النصارى الآن تكاد تكون متواترة.
(١) سيرة ابن إسحاق (١/ ١٧٨)، والبداية والنهاية لابن كثير (٣/ ٥٢).