للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثم قال: وقد ذكر جماعة من أهل الحديث روايات عن جماعة من الصحابة والتابعين تتضمن كلمات من مواعظ لقمان وحكمه، ولم يصح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - من ذلك شيء، ولا ثبت إسناد صحيح إلى لقمان بشيء منها حتى نقبله، وقد حكا الله سبحانه من مواعظه لابنه ما حكاه في هذا الوضع وفيه كفاية، وما عدا ذلك مما لم يصح فليس في ذكره إلا شغلة للحيز وقطيعة للوقت، ولم يكن نبيًا حتى يكون ما نقل عنه من شرع من قبلنا، ولا صح إسناد ما رُوي عنه من الكلمات حتى يكون ذكر ذلك من تدوين كلمات الحكمة التي هي ضالة المؤمن (١).

[الوجه الرابع: وماذا عن لقمان الذي في الإنجيل واسمه (لوكيوس).]

لقد جاء في القرآن: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ. . .} [لقمان: ١٢] ونقل عن البيضاوي المفسر أنه كان معاصرًا لداود - عليه السلام -، وحرَّف المشكك قول البيضاوي وهو أنه من أولاد أزر ابن أخت أيوب إلى أن لقمان كان معاصرًا لأيوب، ووجه نقده على هذا بقوله: كيف يكون معاصرًا لأيوب وداود، وبين أيوب وداود ما يقرب من ٩٠٠ سنة؟

وها هو كلام البيضاوي بنصه: "لقمان بن باعوراء أولاد آزر ابن أخت أيوب أو خالته، وعاش حتى أدرك داود - عليه السلام -، وأخذ منه العلم وكان يفتي قبل مبعثه، والجمهور على أنه كان حكيمًا ولم يكن نبيًا".

قلت: وليس هناك ما يدل على هذا النسب وهذه المعاصرة، وما يهمنا هو إثبات هذه الشخصية كما قررها القرآن الكريم.

والبيضاوي لا يقصد معاصرته وإنما يقصد نسبه، ولم يقل البيضاوي: كان نبيًا، ولم يقل القرآن ذلك؛ وإنما قال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ الْحِكْمَةَ} ولكن صاحب الشبهة وجه الإشكال على النبوة؛ فقال: كيف يكون لقمان نبيًا؟ إنه قال: كيف يكون لقمان نبيًا؟ وليس في القرآن أنه كان نبيًا - كما بينا - وإنما كان حكيمًا، واسمه "لوكيوس" في اليوناني، و"لقمان" في العبرانية، وفي سفر أعمال الرسل (١٣/ ١): "وَكَانَ فِي أَنْطَاكِيَةَ فِي الْكَنِيسَةِ هُنَاكَ أَنْبِيَاءُ


(١) فتح القدير للشوكاني (٤/ ٣٣٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>