للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهذا الذي قاله ابن عباس - رضي الله عنه - هو الواقع في نفس الأمر؛ فإن الشعراء يتَبجَّحون بأقوال وأفعال لم تصدر منهم ولا عنهم، فيتكثرون بما ليس لهم (١).

قال الماوردي: قال أهل التأويل: يريد بالشعراء، الذين إذا قالوا كذبوا، وإذا غضبوا سبوا (٢).

[موقف السنة من الشعر والشعراء]

عن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "لأن يمتلئ جوف الرجل قيحا يَرِيِه خير من أن يمتلئ شعرًا" (٣).

وفي رواية مسلم عن أبي سعيد قال: "بينما نحن نسير مع رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بالعرج إذ عرض شاعر ينشد فقال رسول الله: "خذوا الشيطان أو أمسكوا الشيطان؛ لأن يمتلئ جوف رجل قيحًا خير من أن يمتلئ شعرًا" (٤).

فهذا الحديث في ظاهره يدل على التنفير من الشعر والحث على هجره واجتنابه؛ بل على تحريم تعاطيه. وصدّر البخاري ترجمته بقوله: باب ما يكره أن يكون الغالبُ على الإنسان الشعر حتى يصُدّهُ عن ذكر الله والقرآن.

قال ابن الأثير: هو مَوْرِيٌّ إذا أصاب جوفه الداء.

قال الأزهري: الوَرْيُ مثَال الرَّمْي: دَاء يُداخل الجَوف. يقال: رَجُلٌ مَوْرِيٌّ غَير مهموز. وقال الفرّاء: هُو الوَرَى بفتح الراء. وقال ثَعْلب: هو بالسُّكون: المَصْدَرُ وبالفَتْح: الاسم. وقال الجوهري: وَرَى القَيْحُ جَوْفَهُ يَرِيه وَرْيًا: أكَلَه. (٥)

وقال النووي: قالوا؛ بل الصواب أن المراد أن يكون الشعر غالبًا عليه، مستوليًا عليه، بحيث يشغله عن القرآن وغيره من العلوم الشرعية وذكر الله تعالى، وهذا مذموم من أي شعر كان، فأما إذا كان القرآن والحديث وغيرهما من العلوم الشرعية هو الغالب عليه فلا


(١) تفسير القرآن العظيم لابن كثير ٦/ ١٧٣، ١٧٤.
(٢) الحاوي في فقه الشافعي للماوردي ١٧/ ٢٠٨.
(٣) أخرجه البخاري (٥٨٠٣) ومسلم (٦٠٣٠).
(٤) صحيح مسلم (٦٠٣٢).
(٥) النهاية في غريب الحديث والأثر ٥/ ٣٩٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>