للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يضر حفظ اليسير من الشعر مع هذا لأن جوفه ليس ممتلئا شعرا والله أعلم (١).

ويقول ابن الجوزي: هذا الحديث محمول على من جعل جميع شغله الشعر، فلم يحفظ شيئًا من القرآن ولا من العلم؛ لأنه إذا امتلأ الجوف بالشيء لم يبق فيه سعة لغيره. وقال أحمد بن حنبل: أكره من الشعر الهجاء والرقيقَ الذي يشبب بالنساء، فأما الكلام الجاهلي فما أنفعه! (٢)

ويقول ابن عبد البر: أحسن ما قيل في تأويل هذا الحديث والله أعلم، أنه الذي قد غلب الشعر عليه، فامتلأ صدره منه دون علم سواه، ولا شيء من الذكر غيره، ممن يخوض به في الباطل ويسلك به مسالك لا تحمد له، كالمكثر من الهذر واللغط والغيبة وقبيح القول ولا يذكر الله كثيرا. وهذا كله مما اجتمع العلماء على معنى ما قلت منه؛ ولهذا قلنا فيما روي عن ابن سيرين والشعبي ومن قال بقولهما من العلماء: الشعر كلام؛ فحسنه حسن وقبيحه قبيح أنه قول صحيح، وبالله التوفيق (٣).

وبَعد ما ذُكِرَ نعلم أن التحقيق أن الحديث الصحيح المصرّح بأن امتلاء الجوف من القيح المفسد له خير من امتلائه من الشعر، محمول على من أقبل على الشعر، واشتغل به عن الذكر، وتلاوة القرآن، وطاعة الله تعالى، وعلى الشعر القبيح المتضمّن للكذب والباطل، كذكر الخمر ومحاسن النساء الأجنبيّات، ونحو ذلك.

يقول ابن بطال: الشعر والرَجَز والحُداء كسائر الكلام، فما كان فيه ذكر تعظيم لله ووحدانيته وقدرته وإيثار طاعته وتصغير الدنيا والاستسلام له تعالى، فهو حسن مرغب فيه، وهو الذي قال فيه - صلى الله عليه وسلم -: "إن من الشعر حكمة"، وما كان منه كذبًا وفحشًا فهو الذي ذمه الله ورسوله" (٤).

ما يرخص فيه من الشعر:


(١) شرح صحيح مسلم ١٥/ ١٤.
(٢) كشف المشكل من حديث الصحيحين لأبي الفرج ابن الجوزي ١/ ١٦٩.
(٣) التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد ٢٢/ ١٩٦، وانظر الحاوي في فقه الشافعي للماوردي ١٧/ ٢٠٨، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي ١٣/ ١٥٠، ١٣/ ١٥١.
(٤) شرح صحيح البخاري لابن بطال ٩/ ٣١٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>