للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال الرازي: إنهم إذا ذكروا العقوبات ولم يأمنوا من أن يقدموا على المعاصي، فهناك وصفهم بالوجل، وإذا ذكروا وعده بالثواب والرحمة سكنت قلوبهم إلى ذلك، وأحد الأمرين لا ينافي الآخر؛ لأن الوجل هو بذكر العقاب، والطمأنينة بذكر الثواب، ويوجد الوجل في حال فكرهم في المعاصي، وتوجد الطمأنينة عند اشتغالهم بالطاعات. (١)

الوجه الرابع: أن الطمأنينة تكون بانشراح الصدر بمعرفة التوحيد، والوجل يكون عند خوف الزيغ والذهاب عن الهدى. (٢)

فكلما ذكر المؤمن ربه كلما اطمئن قلبه وانشرح صدره إلى الحق، ومعرفة التوحيد، ومعرفة شرائع الله جل وعلا، وهذه حاله تنتابه، وإذا ذكر ربه أيضًا وجل وخاف أن يقع في المعصية، أو يبعد عن الرشاد والهدى، وقد أشارت آيات كثيرة إلى مثل هذا، قال تعالى: {رَبَّنَا لَا تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا} [آل عمران: ٨]، وقال: {وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ أَنَّهُمْ إِلَى رَبِّهِمْ رَاجِعُونَ (٦٠)} [المؤمنون: ٦٠].

قال القاضي عبد الجبار وجوابنا: أن الطمأنينة المذكورة ها هنا المراد بها المعرفة وسكون النفس إلى المجازاة مع الوجل والخوف من المعاصي، فالكلام متفق عليه؛ لأن المؤمن ساكن النفس إلى معرفة الله تعالى، وإلى المجازات على الطاعات، ومع ذلك خائف مما يخشاه من التقصير ووجل القلب، فظن في مثل ذلك أنه مختلف إذ قد نادى على نفسه بقلة المعرفة، ولذا قال تعالى بعده: {الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ طُوبَى لَهُمْ وَحُسْنُ مَآبٍ} [الرعد: ٢٩]. (٣)

الوجه الخامس: أن المراد: أن علمهم بكون القرآن معجزًا يوجب حصول الطمأنينة لهم

في كون محمد - صلى الله عليه وسلم - نبيًا حقًّا من عند الله، أما شكهم في أنهم أتوا بالطاعات على سبيل التمام والكمال فيوجب حصول الوجل في قلوبهم. (٤)


(١) تفسير الرازي (١٩/ ٤٩).
(٢) دفع إيهام الاضطراب عن آيات الكتاب (١٠٣).
(٣) تنزيه القرآن عن المطاعن للقاضي عبد الجبار (٢٢٩).
(٤) تفسير الرازي (١٩/ ٤٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>