للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ذهب بعض أهل العلم إلى أن قوله تعالى: {فَكَاتِبُوهُمْ} أمر إيجاب، يجب على المولى أن يكاتب عبده الذي علم فيه خيرًا إذا سأل العبد ذلك، على قيمته أو أكثر، وإن سأل على أقل من قيمته فلا يجب، وهو قول عطاء وعمرو بن دينار:

* وذلك لما روي أن سيرين سأل أنس بن مالك أن يكاتبه فتلكأ عنه، فشكا إلى عمر، فعلاه بالدرة وأمره بالكتابة فكاتبه (١).

وذهب أكثر أهل العلم إلى أنه أمر ندب واستحباب. ولا تجوز الكتابة على أقل من نجمين عند الشافعي - منجمًا، أي موزعًا على مواقيت معينة، كانوا في الغالب يوقتونها بمطالع نجوم المنازل مثل الثريا، فلذلك سموا توقيت دفعها نجمًا وسموا توزيعها تنجيمًا؛ لأنه عقد جوز إرفاقًا بالعبد، ومن تتمة الإرفاق أن يكون ذلك المال عليه إلى أجل حتى يؤديه على مهل، فيحصل المقصود، كالدية في قتل الخطأ، وجبت على العاقلة على سبيل المواساة فكانت عليهم مؤجلة منجمة، وجوَّز أبو حنيفة الكتابة على نجم واحد وحالة. (٢)

٣ - رأفة الإسلام بالعبد أنه لا يُكاتب إلا إذا عُلم منه خيرًا حتى لا يُهلك نفسه وحتى لا يُفسد في المجتمع:

قوله تعالى: {إِنْ عَلِمْتُمْ فِيهِمْ خَيْرًا} اختلفوا في معنى الخير، فقال ابن عمر: قوة على الكسب. وهو قول مالك والثوري، وقال الحسن ومجاهد والضحاك: مالًا كقوله تعالى: {إِنْ تَرَكَ خَيْرًا} (البقرة: ١٨٠) أي: مالًا، وروي أن عبدًا لسلمان الفارسي قال له كاتبني، قال: ألك مال؟ قال: لا. قال: تريد أن تطعمني من أوساخ الناس، ولم يكاتبه (٣).

قال الزجاج: لو أراد به المال لقال: إن علمتم لهم خيرًا.


(١) أخرجه الطبري (١٨/ ١٢٦)، وعبد الرزاق في المصنف (٨/ ٣٧٢)، وبمعناه عن قتادة عند البيهقي (١٠/ ٣١٩)، وعلقه البخاري (٥/ ١٨٤)، وانظر فتح الباري (٥/ ١٨٦ - ١٨٧).
(٢) تفسير البغوي (٦/ ٤١).
(٣) أخرجه عبد الرزاق في المصنف (٨/ ٣٧٤)، والبيهقي (١٠/ ٣٢٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>