للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فليس كما يُدعى أن في الجنة فضلات.

وإنما حياة الجنة تختلف عن حياة الدنيا تماما. فليس فيها رائحة يكرهها المؤمن مطلقا.

[الوجه الثالث: العرق في الجنة هو رشح من الجبين.]

عن إبراهيم التيمي في قوله تعالى: {وَسَقَاهُمْ رَبُّهُمْ شَرَابًا طَهُورًا} قال: عرق يفيض من أعراضهم مثل ريح المسك. (١)

فدل ذلك على أنه لا يخرج من الأماكن المنتنة كريهة الرائحة.

[الوجه الرابع: ليس جميع الفضلات التي يخرجها الكائن المعنى تكون مضرة كريهة.]

لا يلزم في كل طعام أن يكون له فضلة، ولو سلمنا أنه تكون له فضلة لما لزم أن يكون فضلة مستقذرة؛ بل قد يكون فضلات كثيرة طِيبا يُتطيب به، وشرابا يشرب مثل المسك فإنه بعض دم الحيوان، أو العسل فإنه فضل حيوان معروف، وليس شيء من ذلك مستقذرا؛ بل هو مستطاب مستلذ، ولا يبعد أن تكون فضلات الجنة هكذا؛ بل هو هكذا فعلًا فقد جاءنا على لسان الصادق: أن أهل الجنة لا يبولون ولا يتغوطون إنما هو عرق يجري من أجسادهم مثل المسك، وهذه أمور لا ينكرها إلا كل غبي جاهل ليس له معقول حاصل فإذا دل العقل على جوازه فينبغي أن يستدل على وقوع ذلك. ومن المعلوم أن آدم عليه السلام كان يأكل في الجنة ويشرب وينكح (٢).

[الوجه الخامس: نعيم الجنة ليس به آلام جسمانية.]

قال الإمام شهاب الدين القرافي: إن النعيم الجسماني الذي يثبته المسلمون ليس مفسرًا على ما ذكرتموه من التشنيع؛ بل على وفق الكرامة الربانية والسعادة الأبدية، وتقريره: أننا نجد في هذه الدار الملاذ الجسمانية تترتب على أسباب عادية.

فالملاذ: إما علوم خاصة حسية كإدراك الحلاوة وأنواع الطعوم الملائمة، وإدراك الأرايح المناسبة لجواهر النفس البشرية، وإدراك الملامسة للأجسام الموافقة لجواهر الطباع،


(١) رواه الطبري (٢٤/ ١١٣).
(٢) الإعلام للقرطبي صـ (٤٣٤) بتصرف.

<<  <  ج: ص:  >  >>