للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البالغة وعزته وعدله في وضع عقوبته في أولى المحال بها وأحقها بالعقوبة؟ وأنها لو أوليت النعم لم تحسن بها ولم تلق ولظهرت مناقضة الحكمة كما قال الشاعر:

نعمة اللَّه لا تعاب ولكن ... ربما استقبحت على أقوام. (١)

الشبهة الثالثة: سوء فهم لحديث: (قطع يد السارق في البيضة والحبل)، وقال -صلى اللَّه عليه وسلم-: "لعن اللَّه السارق يسرق البيضة فتقطع يده ويسرق الحبل فتقطع يده" (٢).

والجواب:

قال الحافظ في الفتح: قال الخطابي: . . . .، أنه ليس بالشائع في الكلام أن يقال في مثل ما ورد فيه الحديث من اللوم والتثريب: أخزى اللَّه فلانًا عرض نفسه للتلف في مال له قد ومزية وفي عرض له قيمة إنما يضر المثل في مثله بالشيء الذي لا وزن له ولا قيمة، هذا حكم العرف الجاري في مثله، وإنما وجه الحديث وتأويله ذم السرقة وتهجين أمرها وتحذير سوء مغبتها فيما قل وكثر من المال كأنه يقول إن سرقة الشيء اليسير الذي لا قيمة له كالبيضة المذرة والحبل الخلق الذي لا قيمة له إذا تعاطاه فاستمرت به العادة لم ييأس أن يؤديه ذلك إلى سرقة ما فوقها حتى يبلغ قدر ما تقطع فيه اليد فتقطع يده، كأنه يقول فليحذر هذا الفعل وليتوقه قبل أن تملكه العادة ويمرن عليها ليسلم من سوء مغبته ووخيم عاقبته. . . . (٣).

ونقل ابن حجر عن محمد بن قتيبة فيما حكاه عن ابن بطال أنه قال: ولأن من عادة العرب والعجم أن يقولوا قبح اللَّه فلانًا عرض نفسه للضرب في عقد جوهر وتعرض للعقوبة بالغلول في جراب مسك، وإنما العادة في مثل هذا أن يقال لعنه اللَّه تعرض لقطع اليد في حبل رث أو في كبة شعر أو رداء خلق. . . (٤).


(١) بدائع الفوائد (٢/ ٢١١, ٢١٢).
(٢) أخرجه البخاري (٦٧٨٣)، ومسلم (١٦٨٧).
(٣) فتح الباري (١٢/ ٨٤).
(٤) المصدر السابق.

<<  <  ج: ص:  >  >>