ادعوا التناقض بين القرآن والسنة؛ فقالوا: إن القرآن وصف الكثير من الجنة وفي حديث قُدُسِيٍّ رواه أبو هريرة عن النبيِّ محمد قال فيه: قال الله: أعددتُ لعابدي الصّالحين ما لا عينٌ رأت، ولا أذنٌ سمعت، ولا خطرَ على قلبِ بشرٍ، فاقْرَأوا إن شئتُم:{فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ}. ويفيد هذا الحديث أن ما أعده الله لعباده الصّالحين لا يمكن وصفه، حيث لم تَرَهُ عيونهم، ولم تسمع عنه آذانهم ولا خطر على قلوبهم.
وقالوا: إن هذا الحديث النبوي مأخوذٌ من الإنجيل المقدس، فقد ورد في رسالة كورنثوس الأولى (٢/ ٩) قول الوحي المقدس: "ما لم ترَ عينٌ، ولم تَسْمَعْ أذنٌ، ولم يخطر على بال إنسانٍ: ما أعَدَّهُ الله للَّذين يحبّونَهُ".
والجواب عن ذلك من وجوه:
[الوجه الأول: الجنة من الأمور الغيبية، (فليس السامع كالشاهد).]
الوجه الثاني: الرسول يصف لنا بعضًا من نعيم الجنة.
الوجه الثالث: لا يوجد تناقض بين القرآن والسنة.
الوجه الرابع: قوله (إن الحديث القدسي موافق لما في كتابهم) دلالة على صدق القرآن.
وإليك التفصيل
[الوجه الأول: الجنة من الأمور الغيبية، (فليس السامع كالشاهد).]
فالجنة من عالم الغيب الذي لم ندركه بحواسنا فلم نسمعها ولم نرها ولم نلمسها ولم نتذوقها، فهي بالنسبة لنا وصف مجهول الكيفية الحقيقية التي نستطيع أن نحكم عليها.
ولنضرب مثالًا على ذلك من الدنيا: والأشياء فيها متشابهة.
لو سمع منا إنسان عن جزيرة ما مثل جزر مثلث برمودة الذي يحكى عنه مثلث الرعب، هناك أوصاف كثيرة لهذا المثلث، لكن لا يستطيع أحد أن يدرك حقيقته كما هي؛ لأن الذي يفعل ذلك هو الذي شاهد هذه الجزيرة ولم يستطع أحد أن يذهب إليها ويرجع سالما.
هذا في أمر الدنيا الذي تتشابه فيه الأشياء فما بالك بأمر الآخرة.