للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والأخبار بمعرفة أهل الكتاب بصفة محمد - صلى الله عليه وسلم - عندهم في الكتب المتقدمة متواترة عنهم، وكان أهل الكتاب قبل أن يبعث النبي - صلى الله عليه وسلم - تجري حروب بين العرب وبين أهل الكتاب فيقول أهل الكتاب: قد قرب مبعث هذا النبي الأمي الذي يبعث بدين إبراهيم، فإذا ظهر اتبعناه وقتلناهم معه شر قتلة، فلما بعث النبي - صلى الله عليه وسلم - كان منهم من آمن به، ومنهم من كفر به (١).

[الثاني: أن الخطاب للنبي - صلى الله عليه وسلم - في الظاهر، والمراد غيره ممن شك، وعندئذ يكون معنى الآية]

قل يا محمد: يا أيها الإنسان الشاك إن كنت في شك مما أنزلنا إليك على لسان رسولنا محمد - صلى الله عليه وسلم - فاسأل الذين يقرؤون الكتاب يخبروك بصحته (٢).

ويشبه هذا الخطاب آيات كثيرة في القرآن الكريم، مثل قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ}، وكقوله تعالى: {لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ}، وكقوله: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، ومن الأمثلة المشهورة: (إياك أعني واسمعي يا جارة).

والذي يدل على صحة ما ذكرناه وجوه:

(أولها): قوله تعالى في آخر السورة: {قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنْ كُنْتُمْ فِي شَكٍّ مِنْ دِينِي} فبين أن المذكور في أول الآية على سبيل الرمز هم المذكورون في هذه الآية على سبيل التصريح.

(ثانيها): أن الرسول لو كان شاكًا في نبوة نفسه لكان شك غيره في نبوته أولى، وهذا يوجب سقوط الشريعة بالكلية.

(ثالثها): أن بتقدير أن يكون شاكًا في نبوة نفسه، فكيف يزول ذلك الشك بإخبار أهل الكتاب عن نبوته مع أنهم في الأكثر كفار؟ وإن حصل فيهم من كان مؤمنًا إلا أن قوله ليس بحجة لا سيما وقد تقرر أن ما في أيديهم من التوراة والإنجيل، فالكل مصحف محرف، فثبت


(١) الجواب الصحيح (١/ ٢٩٤ - ٢٩٧)، وممن قال بهذا المعنى أيضًا ابن حزم في الملل والنحل (١/ ٢٧٠).
(٢) تفسير الخازن (٢/ ٤٦٤)، تفسير القرطبي (٨/ ٣٥٢)، زاد المسير (٤/ ٦٣).

<<  <  ج: ص:  >  >>