للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أن الحق هو أن هذا الخطاب، وإن كان في الظاهر مع الرسول - صلى الله عليه وسلم - إلا أن المراد هو الأمة، ومثل هذا معتاد فإن السلطان الكبير إذا كان له أمير، وكان تحت راية ذلك الأمير جمع؛ فإذا أراد أن يأمر الرعية بأمر مخصوص فإنه لا يوجه خطابه إليهم؛ بل يوجه ذلك الخطاب إلى ذلك الأمير الذي جعل أميرًا إليهم؛ ليكون ذلك أقوى تأثيرًا في قلوبهم (١).

الوجه الثالث: أنه تعالى علم أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - لم يشك في ذلك؛ فيكون المراد بهذا التهييج إنه - صلى الله عليه وسلم - إذا سمع الكلام يقول: لا أشك يا رب، ولا أسأل أهل الكتاب، بل أكتفي بما أنزلته عليَّ من الدلائل الظاهرة (٢).

ونظيره قول الله تعالى للملائكة: {يَقُولُ لِلْمَلَائِكَةِ أَهَؤُلَاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ} [سبأ: ٤٠]، والمقصود أن يصرحوا بالجواب الحق ويقولوا: {قَالُوا سُبْحَانَكَ أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سبأ: ٤١]، وكما قال لعيسى - عليه السلام -: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَاعِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة: ١١٦]، والمقصود منه أن يصرح عيسى - عليه السلام - بالبراءة عن ذلك فكذلك هنا (٣).

وكقوله تعالى: {وَلَا يَصُدُّنَّكَ عَنْ آيَاتِ اللَّهِ بَعْدَ إِذْ أُنْزِلَتْ إِلَيْكَ} [القصص: ٨٧] ولزيادة التثبيت والعصمة (٤).

الوجه الرابع: هو أن محمدًا - صلى الله عليه وسلم - كان من البشر، وكان حصول الخواطر المشوشة والأفكار المضطربة في قلبه من الجائزات، وتلك الخواطر لا تندفع إلا بإيراد الدلائل وتقرير البينات، فهو تعالى أنزل هذا النوع من التقريرات حتى أن بسببها تزول عن خاطره تلك الوساوس، ونظيره قوله تعالى: {فَلَعَلَّكَ تَارِكٌ بَعْضَ مَا يُوحَى إِلَيْكَ وَضَائِقٌ بِهِ


(١) تفسير الرازي (١٧/ ١٦٠ - ١٦١).
(٢) تفسير الخازن (٢/ ٤٦٤).
(٣) تفسير الرازي (١٧/ ١٦١).
(٤) تفسير الكشاف (٢/ ٣٧٠).

<<  <  ج: ص:  >  >>