والإسلام -بوصفه دين الحق الوحيد القائم في الأرض- لا بد أن ينطلق لإزالة العوائق المادية من وجهه، ولتحرير الإنسان من الدينونة بغير دين الحق؛ على أن يدع لكل فرد حرية الاختيار بلا إكراه منه ولا من تلك العوائق المادية كذلك.
وإذن؛ فإن الوسيلة العملية لضمان إزالة العوائق المادية وعدم الإكراه على اعتناق الإسلام في الوقت نفسه -هي كسر شوكة السلطات القائمة على غير دين الحق حتى تستسلم وتعلن استسلامها بقبول إعطاء الجزية فعلًا.
وعندئذ تتم عملية التحرير فعلًا، بضمان الحرية لكل فرد أن يختار دين الحق عن اقتناع. فإن لم يقتنع بقي على عقيدته وأعطى الجزية لتحقيق عدة أهداف:
أولها: أن يعلن بإعطائها استسلامه وعدم مقاومته بالقوة المادية للدعوة إلى دين اللَّه الحق.
وثانيها: أن يساهم في نفقات الدفاع عن نفسه، وماله، وعرضه، وحرماته التي يكفلها الإسلام لأهل الذمة الذين يؤدون الجزية فيصبحون في ذمة المسلمين وضمانتهم، ويدفع عنها من يريد الاعتداء عليها من الداخل أو من الخارج بالمجاهدين من المسلمين.
وثالثها: المساهمة في بيت مال المسلمين الذي يضمن الكفالة والإعاشة لكل عاجز عن العمل؛ بما في ذلك أهل الذمة بلا تفرقة بينهم وبين المسلمين دافعي الزكاة. (١)
[الثانية: الدعوة إلى الإسلام عن طريق معايشة المسلمين، والإطلاع على سلوكياتهم التابعة لشريعة الإسلام.]
وذلك لأنهم إذا بقوا بين المسلمين ورأوا تعاملهم، ورأوا دين الإسلام وسماحته، وما عليه المسلمون من التواصل، والتراحم، والتعاطف - أحبوا دينهم، ولربما نشأت ذراريهم وقد رأوا عزة الإسلام فيتأثرون به، حتى حفظ في البلدان التي فتحت على هذا الوجه أنه لم تمضِ ثلاثة أجيال إلى أربعة أجيال على الأكثر إلا أسلم منهم الكثير، فهذا نوع من الاستدراج للدخول في الإسلام، ولو بعد حين.
(١) في ظلال القرآن لسيد قطب (٤/ ١١)، وانظر موسوعة الدفاع عن رسول اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-.