للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فالمقصود أن يلتزم المسلمون بهذا، فإذا رأى الذمي أن له ما للمسلم، وعليه ما على المسلم، وإذا وقف في المواقف المحرجة ورأى نصرة الإسلام له - أحب هذا الإسلام، فإن النفوس جُبِلت على حب من أحسن إليها، وهذا الإحسان من المسلم فيه نوع من الاستمالة لقلبه، والتأليف له للإسلام، وكل هذه أسرار عظيمة، وصدق اللَّه -عزَّ وجلَّ- إذ يقول: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (البقرة: ٢١٦) فهو نوع من الحكمة البالغة في إقناع الناس بهذا الإسلام، فهم إذا لم يسلموا عن طريق مواجهتهم بالحكمة والموعظة الحسنة - ربما أثر فيهم تعامل المسلمين، ووقوف المسلمين معهم، ونصرتهم لهم؛ فيكون سببًا في دخولهم في دين الإسلام، ورضاهم به، فكان عقد الذّمّة للدّعوة إلى الإسلام لا للرّغبة أو الطّمع فيما يؤخذ منهم من الجزية. (١)

وبهذا يعلم الفرق بين أخذ المال على هذا الوجه وإقراره على دينه، وبين أخذ المال مقابل الإقرار على الزنا؛ فإن الأول فيه من المصلحة رجاء الإسلام، والثاني مفسدة صرف لا مصلحة فيها.

ولقد أورد السرخسي (٢) في المبسوط هذه المسألة بعينها، وأجاب عنها فقال:

وقد طعن بعض الملحدين قال: كيف يجوز تقرير الكافر على الشرك الذي هو أعظم الجرائم بمال يؤخذ منه، ولو جاز ذلك جاز تقرير الزاني على الزنا يؤخذ منه؟

والكلام في هذا يرجع إلى وجوه:

الأول: في إثبات وجود اللَّه تعالى، وأن هذا شرعه، وأنه حكيم لا يسأل عما يفعل.

والثاني: في إثبات النبوة، وأن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- مبلغ عن اللَّه تعالى.

الثالث: المقصود ليس هو المال بل الدعاء إلى الدين بأحسن الوجوه؛ لأنه بعقد الذمة يترك القتال أصلًا، ولا يقاتل من لا يقاتل ثم يسكن بين المسلمين فيرى محاسن الدين، ويعظه واعظ فربما يسلم، إلا أنه إذا سكن دار الإسلام فما دام مصرًا على كفره لا يُخَلّا عن


(١) شرح زاد المستنقع للشنقيطي كتاب الجهاد باب عقد الذمة.
(٢) نسبة إلى سرخس بفتح أوله وسكون ثانيه، وفتح الخاء وقيل بتحريك ثانيه؛ والأول أشهر، وهي مدينة قديمة من مدن خراسان (٣/ ٢٠٨).

<<  <  ج: ص:  >  >>