للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يقول مارسيل بوازار: لقد أظهرت الرسالة القرآنية وتعاليم النبي - صلى الله عليه وسلم - أنها تقدمية بشكل جوهري، وتفسّر هذه الخصائص انتشار الإسلام السريع بصورة خارقة خلال القرون الأولى من تاريخه. (١)

فتح الإسلام الباب للتعايش على الصعيد الاجتماعي والعرقي حين اعترف بصدق الرسالات الإلهية المنزلة من قبل على بعض الشعوب، لكنه بدا أنه يرفض الحوار في الوقت ذاته على الصعيد اللاهوتي حين أزال من العقيدة كل ما اعتبر زيفًا مخالفًا للتوحيد بالمعنى الدقيق للكلمة، وأتاح منطق تعاليمه القوي وبساطة عقيدته، وما يرافقها من تسامح أتاح كل هذا للشعوب التي فتح بلادها حرية دينية تفوق بكثير تلك التي أتاحتها الدول المسيحية نفسها (٢).

لقد تألفت أمم من نوع معين واتحدت وخضعت لنظامها الديني الخاص وانخرطت في البنية الاجتماعية الفوقية للمجتمع الإسلامي الذي يحميها (٣).

حاول الإسلام منذ القرن السابع للميلاد أن يقدم حلًا لمشكلة الأقليات فريدًا في نوعه وتستحق جماعة غير المسلمين على أرض الإسلام أن تتناول بالتحليل؛ لأنه ثبت أنها نهج لا مثيل له في الوقت الذي كان فيه الغرب على أهبة الخروج من العصور الوسطى، وإدراك ضرورة وضع الأنظمة المحدودة للعلاقات مع الغرباء (٤).

منذ بدء الفتح العربي الإسلامي كان المحاربون المسلمون قد فرضوا على أنفسهم روحًا من التسامح مع غير المسلمين ومع الشعوب المغلوبة، وفي زمن لم يكن فيه العنف يعرف شرعًا ولا عاطفة، أصدر أبو بكر - رضي الله عنه - أول خليفة للنبي - صلى الله عليه وسلم - إلى جنوده التعليمات


(١) إنسانية الإسلام صـ ٧٤.
(٢) المصدر السابق صـ ١٨٤.
(٣) إنسانية الإسلام صـ ١٨٦.
(٤) المصدر السابق صـ ٢٨٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>