ونسأل أصحاب التثليث: أليس هذا النص أوضح دليل على نفي إلهية المسيح، ونفي التثليث؟
فأولًا: لو كان المسيح إلها متجسدًا؛ لما احتاج لروح القدس ليهبط عليه بالرسالة!
وثانيًا: لو كان التثليث حقًّا؛ لكان المسيح متحدًا دائمًا وأزلًا مع روح القدس، فما احتاج أن يهبط عليه كحمامة! ولما قال الله تعالى عند اعتماده وابتداء بعثته: هذا ابني الحبيب؛ لأنه من المفروض أنه كان جزء اللاهوت بزعمهم من البداية؛ ولأن الله لا يمكن أن تنفصل عنه إحدى صفاته.
القسم السابع: المسيح يُعرِّف نفسه بأنه نبيٌّ ورسولٌ لله، ويؤكد أنه عبدٌ مأمورٌ لا يفعل إلا ما يأمره به الله تعالى، ولا يتكلم إلا بما يسمعه من الله تعالى: البديهي أن المسيح -عليه السلام- لو كان هو الله تعالى نفسه الذي تجسَّد وصار بشرًا وجاء لعالم الدنيا بنفسه -كما استقر عليه دستور الإيمان المسيحي- لما صح أن يطلق عليه لقب نبيّ؛ لأن "النَّبيّ" اسم لشخص منفصل عن الله يُنبىء عن الله تعالى، أي يخبر عنه، بما يسمعه من الله: إما بواسطة الكلام المباشر، أو الوحي الخفي، أو ملكٍ رسول، كذلك لا يصح أن يطلق عليه اسم "رسول"؛ لأن الرسول اسم لشخص منفصل عن الله، يبعثه الله تعالى لأداء مهمة ما، أما الله تعالى لو تجسد فعلًا وصار بنفسه إنسانًا ونزل لعالم الدنيا؛ ليعلن الدين الجديد بنفسه، فلا يكون عندئذٍ رسولًا، إذ ليس ثمة مرسل له، بل في هذه الحالة يكون هو نفسه، وبدون واسطة، قد أخذ على عاتقه مهمة الاتصال بمخاطبيه. وحاصله: أنه لو صح أن المسيح كان الله نفسه متجسدًا، لما صح أن يسمى رسولًا ولا نبيًّا. ولكن الحقيقة أن الأناجيل طافحة بالنصوص التي يعرِّف المسيح -عليه السلام- فيها نفسه بأنه "نبيّ" وبأنه "رسول" أرسله الله تعالى للنَّاس، وأن ما يقوله للنَّاس ليس من عند نفسه بل من عند الله الذي أرسله، فتعليمه ليس لنفسه بل للآب الذي أرسله، فهل هناك أصرح من هذا في بيان الغيرية بين عيسى والله تعالى؟ ، وأنهما اثنان: مُنبىء ونبي، ومُرسل ورسول؟ !
وفيما يلي بعض ما جاء في هذا المعنى:(١) في إنجيل متى (١٣/ ٥٤ - ٥٨): "وَلمَّا جَاءَ إِلَى وَطَنِهِ كَانَ يُعَلِّمُهُمْ فِي مَجْمَعِهِمْ حتَّى بُهِتُوا وَقَالوا: "مِنْ أَيْنَ لهِذَا هذه الحكْمَةُ