للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكلهم ممتلئون من روح القدس، وإن قيل: إنه باعتبار ناسوته واقع مثلنا في خطيئة آدم، ولكن صلبه وهو ابن الله كان لتكفير الخطيئة عن جميع بني آدم وهو من ضمنهم.

قلت: إن كان صلبه باعتباره إله جاز على الله الموت والألم والجزع والاستغاثة بغيره والضعف وغير ذلك مما أظن أنكم تنزهون الله تعالى عنه وخصوصًا بعد قول المصلوب (إلهي إلهي لماذا تركتني)، وإن كان صلبه باعتباره إنسان فهو خاطئ مثلنا بمقتضى طبيعته البشرية، فكيف لا يكون موته مكفرًا عنه وحده، ويكون ما ينال كلًا من في هذه الحياة من المشاق والأحزان والموت أو القتل وغير ذلك كفارةً له عن ذنبه، وقد كان أصل العقاب على ذنب آدم (كما في سفر التكوين) الموت والالم والتعب والعداوة للشيطان أو الحية، ونحو ذلك، وكل هذه الأشياء واقعةً بنا وباقيةً علينا إلى الآن (١).

الوجه العاشر: هل كان الإله المصلوب قادرًا على منع الصلب أم لا؟

إما أن يقولوا: إن اللاهوت كان قادرًا على دفعهم على ناسوته وإما أن يقولوا لم يكن قادرًا فإن قالوا: لم يكن قادرًا لزم أن يكون أولئك اليهود أقدر من رب العالمين، وأن يكون رب العالمين مقهورًا مأسورًا مع قوم من شرار اليهود وهذا من أعظم الكفر والتنقص برب العالمين وهذا أعظم من قولهم إن لله ولدًا وأنه بخيل وأنه فقير ونحو ذلك مما يسب به الكفار رب العالمين.

[الوجه الحادي عشر: أليس هروب الإله واستغاثته عند صلبه دليل على أن صلبه كان بدون اختياره؟]

وإن قالوا كان قادرًا فإن كان ذلك من عدوان الكفار على ناسوته وهو كاره لذلك فسنة الله في مثل ذلك نصر رسله المستغيثين به فكيف لم يغث ناسوته المستصرخ به وهذا بخلاف من قتل من النبيين وهو صابر فإن أولئك صبروا حتى قتلوا شهداء والناسوت عندهم استغاث وقال: (إلهي إلهي لماذا تركتني) وإن كان هو قد فعل ذلك مكرًا كما يزعمون أنه مكر بالشيطان وأخفى نفسه حتى يأخذه بوجه حق فناسوته أعلم بذلك من


(١) نظرة في كتب العهد الجديد (١٢٢).

<<  <  ج: ص:  >  >>