للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدنيا، وظهر في أمته ألوف ألوف من العلماء الربانيين، والحكماء المتقنين، والأولياء ذوي الكرامات والمجاهدات، والسلاطين العظام. وهذه الحادثة كانت أعظم الحوادث، وما كانت أقل من حادثة أرض أدوم ونينوى وغيرهما، فكيف يجوز العقل السليم أنهم أخبروا عن الحوادث الضعيفة وتركوا الإخبار عن الحادثة العظيمة؟ (١)

[القاعدة الثانية]

أن النبيّ المتقدّم إذا أخبر عن النبي المتأخر، لا يشترط في إخباره أن يخبر بالتفصيل التام بأنه يخرج من القبيلة الفلانية في السنة الفلانية في البلد الفلاني، وتكون صفته كيت وكيت؛ بل يكون هذا الإخبار في غالب الأوقات مجملًا عند العوام، وأما عند الخواص فقد يصير جليًا بواسطة القرائن، وقد يبقى خفيًا عليهم أيضًا لا يعرفون مصداقه إلا بعد ادعاء النبي اللاحق أن النبي المتقدم أخبر عنّي، وظهور صدق ادّعائه بالمعجزات وعلامات النبوة، وبعد الادّعاء وظهور صدقه يصير جليًا عندهم بلا ريب، ولذلك يعاتَبون كما عاتب المسيح - عليه السلام - علماء اليهود بقوله: (٥٢ وَيْلٌ لَكُمْ أَيُّهَا النَّامُوسِيُّونَ! لأَنَّكُمْ أَخَذْتُمْ مِفْتَاحَ الْمَعْرِفَةِ. مَا دَخَلْتُمْ أَنْتُمْ، وَالدَّاخِلُونَ مَنَعْتُمُوهُمْ.) لوقا ١١: ٥٢. (٢)

[القاعدة الثالثة]

ادّعاءُ أن أهل الكتاب ما كانوا ينتظرون نبيًّا آخر غير المسيح وإيلياء، ادّعاءٌ باطل لا أصل له؛ بل كانوا منتظرين لغيرهما أيضًا، لما علمت في الأمر الثاني أن علماء اليهود المعاصرين لعيسى - عليه السلام - سألوا يحيى - عليه السلام - أولًا: أنت المسيح؟ ولما أنكر، سألوه: أنت إيلياء؟ ولما أنكر، سألوه: أنت النبيّ؟ أي النبيّ المعهود الذي أخبر به موسى، فعلم أن هذا النبيّ كان منتظرًا مثل المسيح وإيلياء، وكان مشهورًا بحيث ما كان محتاجًا إلى ذكر الاسم؛ بل الإشارة إليه كانت كافية.

وفي إنجيل يوحنا بعد نقل قول عيسى - عليه السلام - هكذا: "فَكَثِيرُونَ مِنَ الْجَمْعِ لمَّا سَمِعُوا


(١) إظهار الحق (٤/ ١٠٧٨).
(٢) المصدر السابق (٤/ ١٠٧٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>