للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولقد أساء مَنْ لا يعلم لغة العرب فَهِمَ الحسد في هذا الحديث عن عائشة، فظن أنه الحسد الذي يعني تمني زوال النعمة وهذا خطأ؛ إنما هو الغبطة التي تعني تمني زيادة النعمة مع تمني أن يكون للعبد مثلها من فضل الله وكرمه، أو المراد به الغيرة المحمودة التي سبق الحديث عنها (١).

[الوجه الرابع: الغيرة وبعض النقول عن المرأة في أخلاقها مع زوجها وضرائرها من الكتاب المقدس.]

١ - في سفر (التكوين ٣: ١٦): وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: "تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ أَتْعَابَ حَبَلِكِ، بِالْوَجَعِ تَلِدِينَ أَوْلادًا. وَإِلَى رَجُلِكِ يَكُونُ اشْتِيَاقُكِ وَهُوَ يَسُودُ عَلَيْكِ اهـ.

فالمرأة التي تعتقد أن الزوج سيدها، وأن اشتياقها إليه كما جاء في الكتاب المقدس ألا تغار عليه!

٢ - وفي سفر التكوين (١٦/ ١٦: ١): وَأَمَّا سَارَايُ امْرَأَةُ أَبْرَامَ فَلَمْ تَلِدْ لَهُ، وَكَانَتْ لَهَا جَارِيةٌ مِصْرِيَّةٌ اسْمُهَا هَاجَرُ، فَقَالَتْ سَارَايُ لأَبْرَامَ: "هُوَذَا الرَّبُّ قَدْ أَمْسَكَنِي عَنِ الْوِلادَةِ، ادْخُلْ عَلَى جَارِيتِي لَعَلِّي أُرْزَقُ مِنْهَا بَنِينَ"، فَسَمِعَ أَبْرَامُ لِقَوْلِ سَارَايَ. فَأَخَذَتْ سَارَايُ امْرَأَةُ أَبْرَامَ هَاجَرَ المصْرِيَّةَ جَارِيتَهَا مِنْ بَعْدِ عَشَرِ سِنِينَ لإِقَامَةِ أَبْرَامَ فِي أَرْضِ كَنْعَانَ، وَأَعْطَتْهَا لأَبْرَامَ رَجُلِهَا زَوْجَةً لَهُ، فَدَخَلَ عَلَى هَاجَرَ فَحَبِلَتْ، وَلمَّا رَأَتْ أَنَّهَا حَبِلَتْ صَغُرَتْ مَوْلَاتُهَا فِي عَيْنَيْهَا. فَقَالَتْ سَارَايُ لأَبْرَامَ: "ظُلْمِي عَلَيْكَ! أَنَا دَفَعْتُ جَارِيَتِي إِلَى حِضْنِكَ، فَلَمَّا رَأَتْ أَنَّهَا حَبِلَتْ صَغُرْتُ فِي عَيْنَيْهَا، يَقْضِي الرَّبُّ بَيْنِي وَبَيْنَكَ فَقَالَ أَبْرَامُ لِسَارَايَ: "هُوَذَا جَارِيتُكِ فِي يَدِكِ. افْعَلي بِهَا مَا يَحْسُنُ فِي عَيْنَيْكِ"، فَأَذَلَّتْهَا سَارَايُ، فَهَرَبَتْ مِنْ وَجْهِهَا، فَوَجَدَهَا مَلاكُ الرَّبِّ عَلَى عَيْنِ المَاءِ فِي الْبَرَّيَّةِ، عَلَى الْعَيْنِ الَّتِي فِي طَرِيقِ شُورَ، وَقَالَ: "يَا هَاجَرُ جَارِيةَ سَارَايَ، مِنْ أَيْنَ أَتَيْتِ؟ وَإِلَى أَيْنَ تَذْهَبِينَ؟ " فَقَالَتْ: "أَنَا هَارِبَةٌ مِنْ وَجْهِ مَوْلاتِي سَارَايَ فَقَالَ لَهَا مَلاكُ الرَّبِّ: "ارْجِعِي إِلَى مَوْلاتِكِ وَاخْضَعِي تَحْتَ يَدَيْهَا وَقَالَ لَهَا مَلاكُ الرَّبِّ: "تَكْثِيرًا أُكَثِّرُ نَسْلَكِ فَلا يُعَدُّ مِنَ الْكَثْرَةِ وَقَالَ لَهَا مَلاكُ الرَّبِّ: "هَا أَنْتِ حُبْلَى، فَتَلِدِينَ ابْنًا وَتَدْعِينَ اسْمَهُ إِسْمَاعِيلَ؛ لأَنَّ الرَّبَّ قَدْ سَمِعَ لِمَذَلَّتِكِ، وَإِنَّهُ يَكُونُ إِنْسَانًا وَحْشِيًّا، يَدُهُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ، ويدُ كُلِّ وَاحِدٍ عَلَيْهِ، وَأَمَامَ جَمِيعِ إِخْوَتِهِ يَسْكُنُ". فَدَعَتِ اسْمَ الرَّبِّ الَّذِي تَكَلَّمَ مَعَهَا: "أنتَ إِيلُ رُئِي"؛ لأَنَّهَا


(١) تحفة الأحوذي ١٠/ ٢٦٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>